كنا نهار أمس الأول جلوساً بديوان الشيخ محمد صديق طلحة، ناظر عموم قبيلة البطاحين، كانت هذه الجلسة تحتشد بنجوم السياسة والمجتمع، وكان من بين هذا الحضور الدكتور عبد الرحمن الخضر والي ولاية الخرطوم، والجميع ساعتئذ يترقّب وصول الدكتور نافع علي نافع، مساعد رئيس الجمهورية ونائب رئيس حزب المؤتمر الوطني، وكانت المناسبة التي سأعود إلى تفاصيلها غداً بإذن الله تعالى، هي عن إلتئام شمل قبيلة البطاحين وطي صفحات وجراحات الدائرة 26 بشرق النيل، فحدثتني نفسي الأمارة باقتناص الفرص الإعلامية، أن أجلس إلى السيد الوالي الخضر لبضع دقائق، وذلك ريثما يصل الدكتور نافع، فانتظرت حتى خلا المقعد الذي يجاوره، الذي كان يجلس عليه سعادة اللواء محمد مختار مدير أمن ولاية الخرطوم، وكان الرجل المختار هو مهندس هذا الصلح، لذا هو في حالة حِراك دائم، وبالمناسبة سيكتب التاريخ في بطاقة هذا الرجل، أنه قد تمكّن من أن يعقد جلسات وجولات شاقة بين جناحي القبيلة حتى توّج بهذا الصلح الشاهق، فما أن غادر الرجل مقعده حتى نهضت من ركن الديوان الآخر متجهاً إلى حيث يجلس الخضر، والخضر رجل يحترم الصحافيين كثيراً، فاستقبلني بأريحيته المعهودة، ثم قال لي (هذه بعض أشواقك قد تحققت)، وهذه إشارة إلى أن الرجل برغم مشغوليات ولايته المتشعبة إلا أنه يقرأ ويتابع، وربما يذكر قراء هذه الصحيفة أننا أرقنا أحباراً عزيزة وغزيرة لأجل هذا الهدف، والمدهش أن المنصة قد ذكرت كل الجهات والقبائل والمجموعات والأفراد والشيوخ الذين ساهموا في هذا الصلح، إلا أنهم لم يتطرقوا إلى المجهودات الصحافية المخلصة التي كان لها بعض الدور، وربما يذكر في هذا السياق صحيفة (الأهرام اليوم)، لكن تبقى الغاية الأسمى هي أن يصل القوم في نهاية الأمر إلى إعادة المياه إلى مجاريها والأمور إلى نصابها، لا أن تنقلب المؤسسات والمجموعات التي شاركت في هذا الجهد ببعض الشهادات، المهم أني قد سألت السيد الوالي عن عدة محاور تتصل بقضايا الجماهير، من بينها (مشروع بصات الولاية)، قال السيد الوالي (إن هذا المشروع سيدشِّن وينطلق في 30 يونيو الجاري)، ثم أردف: أيضاً سنحتفل بافتتاح جسر الحتانة الحلفايا نهاية هذا الشهر. قلت: هل هو احتفال بأعياد ثورة الانقاذ؟، وقبل أن يجاوب أردفت: بالمناسبة هل بعد عهد (الشرعية الجماهيرية) هنالك شيء اسمه (الإنقاذ الوطني)؟ قال الرجل الخضر: (نحن لا نحتفل بأعياد الإنقاذ الوطني، ولكننا نحتفل بهذا التاريخ وهو عندنا يعني الكثير، إنه اليوم الذي تفجّرت فيه إرادة الشعب، هذه الإرادة التي قادتنا إلى كل هذه المكتسبات التي نحتفل بها الآن. تدخّل الأستاذ أحمد حسب الرسول بدر، رئيس مجلس الشورى بولاية الخرطوم، وأحد أقطاب هذا الشرق الكبير، قائلاً: يا أستاذ أبشر.. يفترض أن تقف الصحافة طويلاً عند الخطاب غير التقليدي الذي ألقاه السيد الوالي منذ أيام أمام مجلس الولاية التشريعي. ثم أخذ الأمر شكل الحوار، في هذه اللحظة يتدخل أحد الشباب وكان يقف جانباً.. (يا أستاذ لو سمحت سعادة اللواء قد وصل)، وهو يعني اللواء محمد مختار الذي أجلس على مقعده، قلت للسيد الوالي لهذا سيظل الصراع محتدماً بين (الجهاز الأمني والسلطة الرابعة). عالج الرجل هذا التعليق بضحكة مجلجلة، ثم انصرفت إلى حيث مجلسي السابق أحمل (باقي أشواقي وأسئلتي) لأترك المقعد إلى صاحبه سعادة اللواء، ثم لم نلبث أن نهضنا جميعاً على دوي انذارات سيارات النجدة، وبدا أن ركب السيد مساعد رئيس الجمهورية دكتور نافع علي نافع قد وصل إلى مكان الاحتفال، فاصطفينا جميعاً لاستقبال الرجل النافعابي، وبالمناسبة دكتور نافع في هذا الشرق ليس مجرد (رجل دولة) من الطراز الكبير، فإنه أيضاً رجل (قبائل ومجتمع)، وكان دكتور نافع في أحسن حالاته وهدوئه، فلقد صافح كل من بهذا الديوان الكبير (ديوان الناظر ود طلحة) فرداً فرداً، ولما كان يصافحني قال لي: (الصائم كيف حالك)، قالها ببعض الايحاءات التي بالضرورة تستوعب سلسلة مقالاتي عن هذا الملف، ومن بين تلك المقالات، ملاذي غير الآمن، الذي جاء بعنوان (صمت دكتور نافع مريب)، في أزمة البطاحين، وكنا يومئذ نسعى لحشد الانتباه إلى هذه القضية الإستراتيجية، فها هي الآن بحمد الله سبحانه وتعالى تطوى إلى غير رجعة، وها هو دكتور نافع يشرِّف هذا الحفل. وأرجو أن نعود غداً لديوان الناظر خالد محمد صديق طلحة، الذي قال في هذا الاحتفال: (لقد شاركت تقريباً في كل لجان الصلح في الفترة الأخيرة وطفت كل أنحاء السودان لهذا المقصد، فهل أعجز أن أحل أزمة داخل بيتي)؟!.