حزمة من التّهديدات أطلقها مسؤول ملف أبيي بحكومة جنوب السودان لوكا بيونق في حفل سحب قوات بلاده من المنطقة قبل أيام. وعد الرجل ووعيده قال خلاله إنّه سيطلب من حكومته السيطرة على أبيي عسكرياً حال لم تسحب الخرطوم قوّاتها من المنطقة بنهاية يوم الخامس عشر من مايو (أمس). التهديدات أعادت الملف إلى واجهة الصراع بين دولتي ما بعد الانفصال، وبصورة متسارعة تصاعدت وتيرة التصريحات الناريّة بين الفرقاء بُعيد هدوء حذر عاشته المنطقة امتدّ قرابة العام، إثر الاتفاق الذي تمَّ توقيعه بين الطرفين في مايو المنصرم. الاتفاق المشار إليه كان قد قضى بسحب الجيشين والقوات النظامية من المنطقة حال نشر القوات الإثيوبية تحت مظلّة الأممالمتحدة وتكوين إدارية للمنطقة. الخرطوم - الطيب محمد خير \ حكومة السودان اعتبرت أنّ الانسحاب الذي نفّذته حكومة الجنوب لقوّاتها يندرج في سياق (التضليل المتعمّد) من حكومة الجنوب للرأي العام العالمي، وبحسب تصريحات الناطق الرسمي للخارجية العبيد أحمد مروح فإنّ الانسحاب من أبيي رهين بإنفاذ اتفاق الترتيبات الموقّع العام الماضي. الخارجيّة مضت بالقول إنّ تهديدات جوبا المبذولة على لسان مسؤول أبيي فيها (لوكا بيونق) "لسنا معنيين بها"، مبدين استعدادهم للانسحاب من أبيي بشرط أن يكون الانسحاب متزامناً لقوات الجانبين ومراقباً أممياً. معتمد محلية أبيي رحمة الله عبد الرحمن النور اعتبر التهديدات التي أطلقها بيونق مجرّد شعارات ليست ذات صدىً أو تأثير في المنطقة، وإنّما القصد منها جرّ ملف أبيي للواجهة مجدداً لشغل الرأى العام السوداني والعالمي في ظل محاولات الأممالمتحدة لتشجيع الطرفين لاستئناف المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي لتسوية نقاط الخلاف المتبقية بينهما، وأشار معتمد أبيي في تصريحات ل(الأهرام اليوم) إلى أنّ هذه هي المرة الثالثة التي تحاول فيها حكومة الجنوب الاستيلاء على أبيي بعد أن فشلت في المرّات السابقة، والآن المنطقة تحت سيطرة القوات الإثيوبية وقوات الشعب المسلحة والشرطة، منذراً بأنّ مواطنيه ظلوا في حالة استعداد دائم، وفي حال أيّ تدخّل من قبل قوّات الجيش الشعبي للاستيلاء عليها فإنّهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي، مشيراً إلى أنّ قوات الحركة الشعبية قامت أمس الأول بنهب بعض أبقار المواطنين من المسيريّة في منطقة الجرف في بحر العرب، بغرض الاستفزاز لجرّ المواطنين للدخول معهم في اشتباكات ومن ثمّ إشعال الحرب التي هدد بها (لوكا). رحمة مضى بالقول: نحن من جانبنا كحكومة ملتزمون تماماً باتفاق التهدئة حتى لا تقع خروقات بسبب الحماقات التي تقوم بها قوات الحركة الشعبية، حتى لا تحسب علينا، وزاد: نحن الآن نراقب ونرصد كل تحركات الجيش الشعبي عن كثب، وسنرد الصاع صاعين على أية حماقة، وتم تنبيه القوات الإثيوبية أن تعمل بحياد كامل مع أيّة قوة متحرّكة بهدف إشعال الفتنة في المنطقة. ناظر عموم القبيلة الأمير مختار بابو نمر ذهب إلى أنّ حكومة الجنوب قد مارست الخداع على المجتمع الدولي بادعائها سحب قوّاتها من أبيي جازماً بالقول إنّ المنطقة لا توجد بها أيّ قوّات تابعة للحركة الشعبية أو ˜حكومة الجنوب، وأنّ قوات الجنوب موجودة في منطقة واقعة جنوب حدود 1/1/1956، ويطلق عليها دينكا نقوك وحكومة الجنوب (أبيي الكبرى)، وهي المنطقة التي تم منها سحب عدد من قوات الشرطة للتمويه حتى يُقال إنّ الجنوب سحب قواته..!! وبشأن التهديدات التي أطلقها لوكا بيونق قال الأمير مختار إنّ تهديدات مماثلة سبق أن صدرت عن دينق ألور وأعقبها قبل شهر محاولات مجموعة مسلحة من دينكا نقوك الدخول إلى المنطقة، غير أن القوات الإثيوبية منعتها باعتبارها منطقة منزوعة السلاح، وأضاف مختار إنّهم الآن سمعوا تهديدات باجتياح المنطقة، وقد سبق ل(بيونق) أن جرّب تلك المحاولة مرّتين وفشل فيها، والآن أهل أبيي من العرب الرحّل موجودون حولها لحمايتها، كما أنّ هناك أعداداً كبيرة منهم ظلّت في حالة استعداد منذ الاجتياح الأوّل، معتبراًً تهديدات لوكا تصبّ في خانة (التسلية)، وإن نفّذها ستكون هزيمته النهائية بعد اندحارهم في هجليج. رئيس لجنة العرف في مجلس شورى المسيرية بشتنة محمد سالم صرّح بأنّهم يتوقعون أن ينفذ لوكا بيونق تهديداته بمحاولة دخول أبيي لمحو آثار هزيمة حكومته وفشلها في هجليج، مضيفاً بالقول إنّهم قد لاحظوا تجمعات ملفتة للانتباه للجيش الشعبي جنوب بحر العرب وقاموا بالاستعداد لها بحشد أعداد كبيرة من المقاتلين المحليين من أبناء المسيريّة في مناطق التماس في مناطق (دفرة)، (أم خير)، و(قلوى) باعتبارها المناطق الأقرب لحدود أبيي التي هم خارجها - منطقة منزوعة السلاح حسب إخطار القوات الإثيوبية لهم - والتزموا طوال الفترة الماضية بذلك ولم يحدث أيّ صدام. بشتنة أضاف أنّهم بعد دفعهم لعدد من المقاتلين فإنّ الحماس تراجع لدى قيادة قوات الحركة الشعبيّة، وبعد أن أحسوا بهذه الاستعدادات وهنت عزيمتهم وتمّ تأجيل الهجوم، هذا بجانب الخلاف الذي نشب داخل قبيلة نقوك - بحسب بشتنة - بين العقلاء - يرون إنّ استخدام القوة واللجوء لإشعال الحرب غير مريح لهم - والمتشددين الذين يصرون على الهجوم، ويضيف محدّثنا: في الحالتين نتوقّع الهجوم ومستعدّون له. لن نسمح باجتياح أبيي ونرى أنّ أمر حمايتها مسؤولية القوّات الإثيوبية، ولن نسمح للحركة الشعبية بدخولها، وفي حال حدوث ذلك فهو أمر سيقلّل من مصداقية القوات الإثيوبية لدى المواطنين الذين التزموا بتوجيهاتها بعدم حمل السلاح داخل أبيي والتنسيق معها. بشتنة نفى أيّ نزوح للمواطنين من المنطقة على خلفيّة التهديدات وقال إنّهم كمجلس شورى لقبيلة المسيرية الآن في حالة انعقاد دائم لمناقشة وتحليل أيّ معلومات ترد إليهم، كما أنّهم يتابعون تطوّرات الأحداث لحظة بلحظة وفي الأثناء ينتظرون ردّاً مباشراً من الحكومة على تصريحات (بيونق). إذن تصريحات متطرّفة مبعثها الأساس هو إعادة ملف أبيي إلى واجهة التفاوض بين الدولتين بدلاً عن البترول، ونفخ الروح في آمال أبناء أبيي في الحركة التي ماتت وتناقص حظهم في جعلها جنوبية بعد أن نصّ الاتفاق على حسم مصيرها بالاستفتاء - يرجّح الجميع حسمه بالأغلبية لصالح الشمال – وهي مسألة تعني ضمن ما تعني أنّ أبناء دينكا نقوك سيصيرون غرباء في قيادة حكومة الجنوب. السؤال الذي يبقى محلّقاً في أفق الأزمة؛ هل تلتفت حكومة الشمال لمعالجة قضيّة رعاة التماس في مناطق بحر العرب وإنهاء معاناتهم في رحلة الصيف للبحث عن موارد المياه ما بعد خط 1/1/1956 داخل الجنوب؟