فصلت محكمة الخرطوم شرق أمس الأحد في أول قضية رشق بماء النار تشهدها المحاكم السودانية والتي استمرت المقاضاة فيها زهاء التسعة أعوام وتعاقب عليها عدد من القضاة ووصلت الاستئنافات والطعون فيها للمحكمة الدستورية وفصل فيها الاتهام في مواجهة المتهم الأول الهارب «محمد حسين مهنا»، وأصدر مولانا سيد أحمد البدري حكماً يقضي على المتهم الأول «عصام الدين عبد الرحمن» بالسجن لمدة ثلاث سنوات، والمتهم الثالث «أيمن الشفيع» بالسجن عامين، وأن يدفع المدانون بالتضامن والانفراد مبلغ مليون جنيه «بالعملة الجديدة» للمجني عليها «ابتهال محمد أحمد أبوروف» لمخالفتهم 25/26/139 من القانون الجنائي. وقال مولانا سيد أحمد البدري في حيثيات قراره إن الوقائع الثابتة تمتلت في بلاغ تقدمت به الشاكية «ابتهال أبوروف» لقسم الخرطوم بتاريخ 16/4/2001م تفيد فيه بأن المتهم «محمد حسين مهنا» صب على وجهها «موية النار» وأن المارة تمكنوا من القبض عليه بعد فراره، وتوسل المتهم بألا يضربوه لأنه ليس لصاً ولكنه مرسل. وأرشد أفراد المباحث لمنزل المتهم الثاني «عصام الدين عبد الرحمن» بالحلفايا، كما أفاد بأن المتهم الثالث «أيمن الشفيع» أعطاه الماء الحارق. وعليه وجهت النيابة للمتهم الأول تهمة تسبيب الجراح العمد والثاني تهمة التحريض على تسبيب الجراح العمد، والثالث تهمة المعاونة على تسبيب الجراح العمد. وتمت إحالة الملف للمحكمة التي حددت جلسة 17/2/2002م، ونسبة لهروب المتهم الأول طالب الاتهام بإرجاع الملف للتحري وتم إعادته للمحكمة بعد الفشل في القبض على المتهم الهارب، وتوالت الاستئنافات إلى العليا التي أمرت بالبدء في الإجراءات، وأصدرت المحكمة الدستورية قرارها بشطب الطعن وإرجاع ملف القضية لمحكمة الموضوع التي فصلت محاكمة المتهم الأول الهارب استجابة لطلب الدفاع، وأوقفت سيل الاستئنافات بعد أن تعاقب عدة قضاة على القضية. بدأت المحكمة جلسات المحاكمة بتاريخ 8/7/2008م وتم سماع المتحري عثمان موسى وسماع شهود الاتهام واستجوبت المتهمين ووجهت لهم تهماً تحت المواد 25/26/139 وتم إيداع مرافعات الدفاع والاتهام. وقامت المحكمة بمناقشة مواد الاتهام وعناصرها على ضوء البينات المقدمة في قضية الاتهام.. وثبت للمحكمة بما لا يدع مجالاً للشك بأنه في صبيحة ذلك اليوم قابل المتهم الأول ابنة مديره السابق خارجة من منزلها وسكب ماء النار في وجهها فتعالى صراخها وجلست على الأرض، وقام الحضور بمطاردة الجاني واقتادوه إلى قسم الخرطوم شرق، وثبت ذلك بأقوال المجني عليها، وأفاد والدها بأن المتهم يعمل سائقاً وأنه حاول فصله من العمل وأن هناك مشكلة بينه وشريكه والمتهم الأول الهارب. وأكد شهود الاتهام الثلاثة أنهم رأوا المتهم يسكب الماء ويفر هارباً. وأكد ثلاثة من رجال الشرطة للمحكمة أن المتهم ذكر بأنه مرسل وبذلك ثبت للمحكمة أن المتهم قام بسكب الماء على الشاكية. ووجدت المحكمة أن أهم ما ورد من بينات في مواجهة الثاني بتحريضه للمتهم أن الشاهد أفاد أنهم عند القبض على المتهم الأول قال «أنا ما حرامي أن مرسل ما تدقوني يا جماعة»، وعند استجواب المتهم سرد معاناته مع والد المجني عليها الذي أوقف راتبه رغم قرار صاحب العمل، وذكر بأن المتهم الأول أخبره بأن يأخذ «موية النار» من الثالث ليرشق بها والد المجني عليها وسوف يعطيه أي مبلغ.. وتحرك المتهم الأول مع تيم المباحث لمنزل المتهم الثاني على أساس أنهم التيم الذي سيقوم بوضع المخدرات في عربة والد المجني عليها وأن المتهم الأول أخبر الثاني بنجاح العملية الأولى وأنه نفذها والثانية سينفذها الشباب فأخبره بأنه سيعطيه اثنين مليون.. فتم القبض عليه ووجدت المحكمة أن إفادات الشهود تضاربت في اليومية والمحاكمة، وثبت للمحكمة أن العمليتين تعتبران مكيدة من المتهم الثاني لوالد المجني عليها وعضدت شهادة الشهود بعضها، ووصلت المحكمة لقناعة بأن ما جاء في إفاداتهم من دلائل وبينات التحريض وأقوال المتهم نفسه وثباته على أقواله مع مزيد من التفصيل في الاعتراف القضائي المدون والذي ذكر فيه أن المتهم الثاني حرضه قبلاً على رشق ماء النار على وجه المحامي «تاج السر الحبر» عندما جاءه في نزله وقال له «شوف لي ناس يكيِّسوا أبوروف في مخدرات»، وأعطاه مائتي جنيه وقال له «خذ موية النار من المتهم الثالث وادفقها في واحد من أولاد أبوروف»، وأضاف بأن لديه مشكلة مع والد المجني عليها ووجدت المحكمة أنها بينة شريك وتزيل ما شاب أقوال الشهود، كما شهدت بذلك زوجة المتهم الأول وشقيقه في يومية التحري واتفقتا معه. كما أكد الشاهد السابع بأنه شاهد المتهم الثاني مع الأول وأعطاه مئتي جنيه ووعده بمليون وأن الثالث أحضر جركانة موية النار وأفاد للمحكمة أن سبب إحجامه عن سرد الإفادة خوفه من الاتهام بالمشاركة ووجدت المحكمة أن إفادته جاءت مؤكدة لتحريض الثاني للأول الذي أعطاه المتهم الثالث ماء النار، وبذلك رأت المحكمة أن ذلك يؤكد معرفة الأخير وتصب في رغبة الثاني في الانتقام مستغلاً أحقاد المتهم الأول عند والد الضحية. ووجدت المحكمة أن مستندات الاتهام أورنيك 8 جنائي وتقارير القمسيون الطبي تفيد بأن حالة العين غير مستقرة وبها التهاب عصبي وخروج القزحية وذوبان في القرنية وتحتاج لعملية ترقيع وزراعة للقرنية والعدسة، كما أكد تقرير المعامل الجنائي وجود ماء نار بالجركانة وأكد تقرير القمسيون حاجتها لزراعة أجزاء من العين بالأردن وجاء التقرير الطبي من الأردن يفيد بتليف الجفون واعتام وذوبان القرنية مع بروز السائل الزجاجي وأنه أجريت لها عملية ترقيع وترميم في الفخذ الأيسر لم يكتب لها النجاح وتم إرفاق صور فوتوغرافية للمجني عليها توضح ما لحق بها، ورأت المحكمة أن الشخص العادي لا يستطيع النظر إليها. وقامت المحكمة بعرض الصور على المتهمين والمحامين والحضور بالقاعة الذين انفجر معظمهم بالبكاء. واستعرضت المحكمة التقارير الواردة من أمريكا لفواتير العلاج والسكن والإعاشة التي قدمها المحامي عباس التلب الذي زار أمريكا وتعبر عن الأضرار المادية حتى يونيو 2008م أما الضرر النفسي فلم يتم تضمينه لعدم وصول التقارير ووجدت المحكمة أن المتهم الثاني أقر عند استجوابه الجريمة، وذكر بأن المتهم الأول أدخلهم في الجريمة لأن أخوان المجني عليها أغروه بالمال وشهد بذلك اثنين كانا معه بالحراسة واستبعدت المحكمة شهادة شهود الدفاع لأنها لم تكن مصدر ثقة ويكذبها اعتراف المتهم الأول لحظة القبض عليه. ورأت المحكمة أن شهادة الدفاع قوّت قضية الاتهام بارتكاب الثاني للجريمة النكراء وساعده الثالث وهو ابن اخته ويعمل أميناً لمخازن الشركة وسائقاً عاماً وخاصاً ويجمعه عدم الرضاء بالمدير العام والانتقام منه وهو أمين سر المتهم الثاني؛ ولذا ثبت للمحكمة بما لا يدع مجالاً لشك أن الثاني حرض الأول والثالث أعطاه ماء النار في جركانة وعليه وصلت المحكمة لإدانة المتهم الثاني تحت المادة 25/139 والمتهم الثالث تحت المادة 26/139 ق ج ورأت المحكمة أن وكيل الشاكية طالبة بالتعويض ورأت المحكمة أنه لم تأتِ أية إفادة عن ما آل إليه حال المجني عليها الموجودة بأمريكا حتى الآن وعن الضرر المعنوي البالغ الذي لحق بأفراد أسرتها وبها كشابة يافعة.. وأن ما قدم من بينات تمت مناقشتها. وبسماع المحكمة لظروف المخففة والمشددة وسماعها لشاهد أخلاق للمدانين الثاني والثالث أصدرت قرارها بإدانتهما بالسجن ودفع مليار جنيه كدية حكومة عدل.