حوار : طلال اسماعيل - تصوير: علم الهدى حامد أثارت الاتهامات التي وجَّهها حزب البعث العربي الاشتراكي للقوى السياسية المعارضة، بعرض الولاياتالمتحدةالأمريكية أموالاً لها، ودعوة سفاراتها بالخرطوم للاجتماع مع ممثلي التحالف، أثارت لغطاً وسط الساحة السياسيَّة، وقد أكدت المعارضة بأن تلك الاتهامات لا أساس لها من الصحة. لاستجلاء حقيقة الأمر طرحت الصحيفة الأسئلة على الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي «كمال عمر»، وحزبُه من مكوِّنات تحالف المعارضة المولود في عاصمة الجنوب جوبا، وها هي ردوده: { بعض مكوِّنات تحالف الأحزاب السياسيَّة المعارضة ترى ضرورة مقاطعة الانتخابات، ومنها حزب البعث العربي الاشتراكي، لماذا هذا الإصرار على المشاركة في العمليّة الانتخابيّة رغم تحفُّظات البعض؟ - نحن تقديرنا أن الوضع السياسي في السودان حالياً، بكل العلل التي تصاحب العمل السياسي في مؤسَّسات الدولة والقوانين وآليّات حراسة الحريّة ومهدِّدات وشيكة تهدِّد حريّة التعبير، سواء كان في الندوات أو برامج المرشحين، بالإضافة إلى أزمة دارفور ذات الأبعاد الخطيرة، التي لديها مؤثرات على كل الوطن، وحالة الطوارئ المطبقة في مدنه وأريافه، كل ذلك - بالإضافة إلى أسباب أخرى - جعلنا في التحالف من أنصار خوض الانتخابات في المرحلة الآنية والمشاركة فيها، وكلمة «مشاركة» ليست مطلقة سياسياً، لأن لدينا ترتيبات ومراجعات لهذه المواقف، ونحن قلنا إذا قبلنا أن نرشِّح ونهيئ عضويتنا فهذا ليس قراراً نهائياً بدخول العملية الانتخابيَّة، لأنه قد يطرأ طارئ، وقد لا تُحل قضية دارفور حتى الوصول إلى مرحلة الإدلاء بالأصوات في صناديق الاقتراع، أو قد تنشأ أزمة سياسية لأي من الأسباب تكون متعلقة بالحريات، وقد لا يقوم المؤتمر الوطني بدفع بعض الاستحقاقات في هذه العملية الانتخابية، كل هذه أحوال يمكن لنا كقوى سياسية قرَّرت خوض الانتخابات أن تتخذ موقفاً بالمقاطعة بسببها. { ولكن ما هو الضمان على اتخاذكم هذا الموقف وقد حدَّدتم شهر نوفمبر من العام الماضي موعداً للاستجابة لمطالبكم ومن ثمَّ التهديد بالمقاطعة؟ - نحن حدّدنا شهر نوفمبر، ولكن القوى السياسية ليست على قلب رجل واحد في مواقفها، ونحن لم نقل بأننا في اليوم الثلاثين من شهر نوفمبر سنقاطع الانتخابات، بل قلنا إننا سنراجع ونقيِّم ونراجع الموقف المشترك، وهنالك أحزاب كبيرة تعتقد أنها حُرمت من السلطة لفترة طويلة من الزمن وأصبحت أقرب إلى «الجمعية الاجتماعية»، وترى بأن هذه الانتخابات مهمة بالنسبة لها، لتستنهض قواها وتعيد نفسها إلى الحلبة السياسية عن طريق الانتخابات، لأنَّها تعكس حجم القوى السياسية بالصورة المطلوبة، وفي التقدير رأينا كلنا أن نمضي في هذه العمليَّة الانتخابية، وعملنا في السجل الانتخابي مع بعضنا البعض، ومشينا في اتجاه أن نرشِّح مع بعضنا البعض، ونضع الآن معايير للتحالف والتنسيق في الدوائر الجغرافية مع بعضنا البعض، وهذا يوضح أن الأحزاب السياسية المكوِّنة لتحالف جوبا مسؤولة تجاه أزمات الوطن، وهي لن تترك الساحة السياسية للمؤتمر الوطني بالذرائع والإشكاليات والمعوقات التي وضعها حتى تصبح حجَّة لتقاطع الأحزاب الانتخابات، وهذه الانتخابات جاءت نتيجة لإفرازات اتفاقية السلام والدستور الانتقالي، ونحن كلنا أقررنا بذلك، بالإضافة إلى أن هنالك عاملاً مهماً جداً وهو الموقف مع الحركة الشعبية، لأننا في تحالف معها، وهي في حساباتها السياسية أن تدخل الانتخابات، والحركة الشعبية لها وضع الشريك في السلطة ومدعومة من قبل المجتمع الدولي الذي لا يلتفت إلى أيّة قيمة لمقاطعة الانتخابات إن لم تصدر من الحركة الشعبية، ونحن درسنا هذه الأوضاع وحسبناها حسابات سياسية دقيقة، وقدَّرنا أن الدخول في الانتخابات أفضل من مقاطعتها لمعطيات متعلِّقة بالوضع السياسي الداخلي، وبعلاقتنا مع الحركة الشعبيَّة وموقفها، نحن لا ننجر وراء الحركة الشعبيَّة بطريقة عمياء، ولكن نقدِّر الواقع السياسي والدستوري الذي أفرزته اتفاقيَّة السلام وأصبحت بموجبه الحركة الشعبية شريكاً في السلطة بنسبة 28% وتحكم الجنوب بأكمله، والجنوب في المرحلة المقبلة عمليَّة الانتخابات بالنسبة له مهمَّة لكي توصله إلى مرحلة الاستفتاء وحق تقرير المصير، ونحن إذا قاطعنا الانتخابات وتركنا الوضع يستمر إلى حين إجراء الاستفتاء نكون - كقوى سياسيَّة - كأنّنا قد حكمنا على الوضع السياسي في السودان بالظلاميَّة، نحن نريد أن نشارك في الانتخابات لنبني دولة ونضع أسُساً لجعل خيار الوحدة جاذباً. { هل ترى تقديرات حزب البعث بمقاطعة الانتخابات صحيحة، وهنالك اتِّهام من قبل المتحدِّث الرسمي باسمه «محمد ضياء الدين» بأنّكم ستتلقُون دعماً مالياً من الولاياتالمتحدة الأمريكيَّة؟ - حزب البعث يعاني من أزمة نفسية، والأحزاب العروبيَّة لديها أزمة نفسيّة في التعامل مع المجتمع الدولي، وتحديداً مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، ونحن نقدِّر هذه الأزمة النفسية المربوطة باحتلال العراق وبملفات أخرى، ولكن نحن - القوى السياسية المكوِّنة لتحالف جوبا - قوى عالمية منفتحة على العالم، وإذا رجعت إلى الأسُس الفكريَّة للمؤتمر الشعبي تجدها تقوم على أن تصل للجميع باعتبارنا جزءاً من منظومة العالم في مؤسَّساته وأعضاء في الأممالمتحدة والصحة العالميَّة والاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا»، ونحن نتعامل مع المجتمع الدولي بما فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية التي نقابل مسؤوليها مثل جيمي كارتر، وكذلك نلتقي بالسفير الأمريكي ونتصل بسفارتهم، وكل القوى السياسيّة تفعل ذلك، ما عدا حزب البعث والأحزاب العروبيّة، ونحن نقدِّر منهجهم في التعامل مع «الأمريكان» وأسبابه العقائدية المربوطة بملفَّات، كما قلت لك، ولكن بأي حال من الأحوال لا يمكن أن يصل الأمر من قبل حزب البعث إلى أن يتهم أحزاب جوبا بأنّها استلمت أموالاً من الإدارة الأمريكيّة، هذا اتهامٌ باطلٌ وليس لديه أي أساس من الصحة، وحزب البعث يعلم بأنّنا في اجتماع مشترك - وهو كان جزءاً منه - أصدرنا قراراً بأنّه لا يجوز لأي حزب من الأحزاب المكوِّنة لتحالف جوبا أن يأخذ أموالاً من دولة خارجيَّة، وهذا ليس خوفاً من حزب البعث أو من الحكومة، ولكن في تقديراتنا أنَّه من يستلم أموالاً في هذه المرحلة من قبل جهة أجنبيَّة فإنه سيرهن نفسه وقراره المستقبلي لهذه الجهة، وهذه قناعة سياسية لدى كل الأحزاب، وحزب البعث يدرك ذلك تماماً، وهو لا يملك أيّة حيثيات ليتهم الأحزاب بأنَّها استلمت أموالاً من السفارة الأمريكيَّة، وأدعو أن يوضِّح حزب البعث الاتهام، وإذا استمرّ في رمي أحزاب التحالف بهذه الاتهامات سيجعلنا نطعن في مصداقيته، ونسأل لمن يسوِّق حزب البعث هذه الاتهامات التي تضر بموقف المعارضة وهو جزء من كيانها وتحالفها؟ وقد استفسرت الأخوان في حزب البعث عن هذه الاتهامات ونفوها، وأحالوني إلى البيان الذي أصدروه، وادَّعوا بأن هذه فرية، وهذا اتهام ولكنه لم يُكذّب، ولم نرهم يكذِّبون هذا البيان بمثل ما طرحته الصحف، وتبقى الحقيقة أنّنا في الأحزاب لم نتلق أموالاً من القوى الخارجية ولكن نتعامل معها وفقاً لقضايا السودان السياسيَّة، وتأثير تلك الدول في العالم. { لماذا قبلتم بدخول حزب البعث معكم في توحيد قائمة المرشَّحين للقوى السياسيّة المعارضة على الرغم من أنه أعلن مقاطعته للانتخابات؟ - نحن قدَّرنا بأنَّ حزب البعث اتّخذ موقفاً بمقاطعة الانتخابات وفقاً لحيثيات متعلقة بالقوانين وعدم حياد مؤسسات الدولة وعدم حل أزمة دارفور الأساسية، لقيام الانتخابات الحرة والنزيهة، والآن حزب البعث يشترك معنا في التنسيق بأفكاره، لأن هنالك قضايا أخرى بخلاف الترشيح والانتخابات، ومنها ما هو متعلق بمؤتمر جوبا، مثل قضية دارفور والقوانين وكيفيّة ممارسة الضغط السياسي في تعديلها، وهذه قضايا تجعل من البعث جزءاً من هذه المنظومة ولا تخرجه من هذا التحالف، والآن هذا التحالف ليس من أجل الانتخابات لوحدها، ولكن من أجل قضايا كبيرة، وحزب البعث جزء منه وسيشارك ويبني المواقف ويساعد بالأفكار والندوات، حتى في الحملات الانتخابية، وكل تلك القضايا تجمعنا ولا تفرِّقنا.