كان يوماً عادياً في شعبة المباحث المركزية ببحري يتابع أفرادها الجرائم التي وقعت بدائرة اختصاصهم فينخرطون لمقابلة مصادرهم لمدهم بالمعلومات حول قضايا أخري. وعادة ما تكون رأس الخيط لكشف شبكة تزييف أو تزوير أو مخدرات وغيرها كشفتها من خلال الرصد.. بدأ اليوم عادياً كسابقه حتي أن مجرد المعلومات التي تلقوها فيه كانت عبارة عن عربة بوكس معروضة للبيع وأن المعلومات شككت في أن العربة مسروقة .. تحرك فريق المباحث لوضع حد لشكوكه وقام بضبط العربة ومعها سائقها الذي عرضها للبيع وفي البداية كان السؤال عن أوراق العربة لمراجعتها فاذا تطابقت المعلومات يخلى طرفها وإذا كانت اختلفت تكون نذير جريمة سرقة وستتابع المعلومات حولها كانت كل الأوراق صحيحة والشئ الوحيد الذي أوقف المحققين بأن العربة لم تكن باسم الشخص الذي عرضها للبيع كما أن المباحث راجعت كشف العربات المسروقة ولم يشملها الكشف وكإجراء عادي تحركت المباحث لمنزل صاحبها المدون على مستنداتها ولكن تفاجأت بأنه مفقود من أسرته منذ عدة أيام لتجد المباحث نفسها أمام جريمة بشعة. كان «م» يقف بعربته البوكس بسوق حلة كوكو كالمعتاد في انتظار أي زبون يتفق معه على مشوار بمقابل.. كل همه أن يكدح ويتعب ليعود لمنزله بقليل من المال و«قفه الخضار» طموحاته لا تزيد عن ذلك لذا كانوا يصفونه بالزاهد. في أحد الأيام وقف ثلاثة شبان قرب عربته وهم يتلفتون يميناً ويساراً باحثين عن سائقها فرمى «م» بنفسه من أعلى منضدة كان يجلس عليها وهو يرتدي جلابيته البيضاء فأسرع يلتقط طاقيته التي سقطت أثناء القفزة وهو يسرع اتجاه الشبان الذين كانوا يبدو في ألوانهم السمراء بأنهم مزارعين.. أسرع نحوهم وهو يردد «خير ان شاء الله» فطلبوه في مشوار لأحد المشاريع الزراعية بمنطقة العليفون قالوا بأن لديهم «خضار» يريدون نقله إلى السوق وما بين الشد والجذب اتفق معهم على مبلغ «40» جنيها وفعلاً جلس امام عجلة القيادة وبجانبه اثنان منهم وثالثهم امتطى صندوق البوكس وسار متوكلاً لقضاء مشواره ونفسه تحدثه بأنه سيأخذ ال«40» جنيها ويعود إلى المنزل برزق كثير لرجل زاهد. وواصلوا سيرهم حتي أوقفوه داخل مشروع زراعي ونزلوا الثلاثة متظاهرين بأنهم سينقلون جوالات موضوعة على الأرض وفجأة انقضوا عليه وأخذوا يضربونه ويسددون له الطعنات الواحدة تلو الأخرى حتى سقط على الأرض وسط بركة من الدماء فأخذوا يفتشون جيوبه حتي وجدوا قليلاً من الجنيهات وبعدها قادوا العربة متجهين لاحدى الولايات لبيعها وعادوا بالعربة بعد أن بدلوا ملامحها ليبيعوها بالخرطوم..كانت تلك هي الحقائق التي توصلت لها المباحث وهي تضبط العربة في اشتباه بأنه مسروقة فضاعفت قواتها عندما توصلت إلى أن وراء السرقة جريمة قتل فزارت مكان الحادث حيث عثر على جثة «م» فعلاً مقتولا فقامت بإلقاء القبض على كل المتهمين الذين اعترفوا بارتكابهم الحادثة وتم تقديمهم لمحكمة بحري شرق التي قضت عليهم بالاعدام شنقاً حتى الموت.