رسالة وصلتني عبر البريد من الأخ الأستاذ عبد القادر سليمان العطا، أحزنتني وأفرحتني في وقت واحد، فرحت لأن الرجل صاحب «العبارات الشفيفة» ينهي مقاطعته «لمؤسسة الملاذات»، تلك المقاطعة التي أعلنها على حين مغازلة لنا «للكتيبة الحمراء»، وها هي «الكتيبة الزرقاء» - التي اهتزت لها الأرض تحت الخليج - تدخل مونديال الكؤوس المحمولة جواً، فهذه بتلك، غير أن مبعث الحزن، أن رسالته قد تعرضت للأزمة التي يمر بها المطرب «ود اليمني»، وذلك إثر تعرضه لكسر مركب في أعلى ساقه الأيمن، و«ود اليمني» واحد من أشهر الذين «سودنوا أغنية الشايقية» وانتقلوا بها إلى «المنابر القومية»، غير أن لليمني إسهامات مقدرة في شحذ الهمم الوطنية، بل إن الرجل يعتبر واحداً من «ثرواتنا القومية»، «والنفوس السمحة ما كانت شريره.. والله طاريك يا امدرق طاري العشيرة»، أرجو أن تلتئم دعوتي مع صيحة الأخ عبد القادر لأجل إسعاف عثمان عبد الرحمن اليمني، وأترككم مع رسالة «عبد القادر العطا»: أخي، أبشر الماحي الصايم، المحترم سلامٌ من الله عليك ورحمة منه وبركات أسمح لي أن ألوذ اليوم بحرم مؤسستك الآمن وأنا أطرق قضية أراها عامة ومهمة، تحتاج منا لحشد واستنفار ذوي الهمم والعزائم من حملة الأقلام المباضع، والمفردات البلسم. بالأمس كنتُ في زيارة للأخ العزيز والفنان الشفيف والرجل الهرم، الأستاذ عثمان عبد الرحمن اليمني، بمنزله، زرته مواسياً إثر تعرضه لكسر مركب في الفخذ اليُمنى، كنت متأثراً جداً وأنا أصافحه وقد تملكني شعورٌ بالحزن والألم، ولكنه كان كعادته، عثمان الذي عرفت، يتسامى على آلامه ويهزم الإحباط ويضفي على عوِّاده جواً من المؤانسة الحميمة ويوزع بينهم ابتساماته وكأنه هو من يواسيهم، وبهمة عالية كان يتابع ويوجّه ويحرص على إكرام ضيوفه. لم أستغرب ذلك، فقد كنت أعلم سلفاً أن الرجل ليس ممّن تهزمهم النوائب أو تفت في عضدهم النوازل، رجل قامة، يمتاز بعمق الإيمان والتصالح مع النفس والرضا والتسليم بالأقدار، حكى لي كيف تعثّر وسقط، وأن الكسر كان نتيجة لاختراق المفصل الصناعي القديم لعظم الفخذ، وأشهد الله أن ابتسامته الوضيئة ما فارقت وجهه وهو يروي تفاصيل الحدث الأليم!! عثمان.. الفنان المسكون بالإبداع، الذي أصّل ووثّق لفننا الشعبي السوداني، ولا أقول الشايقي، فهو الرائد الذي استطاع أن يخرج بأغنية منحنى النيل من نطاقها الجغرافي الضيق للفضاء السوداني الرحب. ود اليمني - كما اشتهر - الذي كم لامس وجداننا، وشنّف آذاننا، وارتقى بأذواقنا، وجمّل دواخلنا بروائعه التي تجذّرت في الأعماق بأدائه المتفرد وروحه السمحة وذوقه الرفيع في الانتقاء .. مدينون له نحن - والله - بقدر ما أعطانا، وأجزل، من مساحات للفرح والتفاؤل والطرب الأصيل. عثمان اليمني، أيها الأحباب، يرقد الآن طريح الفراش بعد أن تكرم مستشفى الشرطة بإجراء عملية إسعافية سريعة له، تؤهله للاستشفاء بالأردن حيث تتوفّر الإمكانات لزرع مفصل صناعي بديل بمواصفات خاصة، وكلنا يعلم ما يتطلبه سفر المريض ومرافقه وتكلفة العلاج والإقامة وغيرها، وتلك لعمري لغة أخرى يخرس أمامها اللسان ويحار البيان. أخي أبشر.. من على منبر مؤسستكم العامرة - وقد لذنا بها آمنين - أسمح لي أن أتوجه بالنداء والرجاء لأولي الأمر منّا، وفي مقدمتهم حادي الركب وقائد المسيرة، المشير البشير، رئيس الجمهورية، وراعي المبدعين، وللوزيرة الإنسانة، تابيتا بطرس، والسيد محمد يوسف عبد الله، وزير الثقافة، ود. عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم، أناشدهم جميعاً باسم جماهير المبدع عثمان اليمني، أن يسارعوا بتكريم هذا الهرم الفني - حيّاً - والتكفل بعلاجه، وذلك ما عهدناه منهم ونثق أنهم لم ولن يخذلونا. ولكل معجبي وأحباب اليمني أقول: ارفعوا أكفكم لله ضارعين أن يعجّل شفاءه ويسبغ عليه ثياب الصحة والعافية، إنه على ذلك قدير. ولك أخي أبّشر.. أقول: ما كان لواذُنا بمؤسستكم الفاعلة اعتباطاً، فالسوق تعج بالوراقين، والمداد مهراق، ولكن، ثقة في الأمان وعشماً في النصرة والسند، وأوقن أنك ستولي هذا الأمر ما يستحق من اهتمام، وأثق أن قلمك المنافح سوف ينتصر للإبداع والمبدعين.. و«ود اليمني» يستحق. دمتم ودامت مؤسسة الملاذات آمنة مضيافة، ولك وافر شكري وتقديري وجُزيت خيراً.