منذ أكثر من ثلاثة وعشرين عاماً وفي مثل هذا التوقيت كانت الأجواء السياسية بمثل حرارة وسخونة هذه الأيام حيث بدأت الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية بغرض خوض انتخابات الرئاسة الجمهورية والبرلمان لعام 1986م التي كان الاقتراع لها في الأول من أبريل من نفس العام. وعندما تقلب صفحات الصحافة السودانية في ذاك الزمان كانت الصفحات محدودة أيضاً، كانت الصحف نفسها قليلة جداً، فكانت منها: الأيام، السياسة، الميدان، الراية والأمة وهي خالية من الألوان تماماً عدا اللونين الأبيض والأسود، وكذلك المتابعة والتغطية الإعلامية لم تكن بمستوى هذه الأيام، والأقلام الصحفية «كُتّاب الأعمدة» لا تتجاوز أصابع اليد، أما مساحات الإعلانات فهي صغيرة جداً ونادراً ما تجد إعلاناً يتجاوز نصف الصفحة كما يحدث اليوم في الحملات الانتخابية، الأمر الذي يجعل الانتخابات في هذه الأيام أقرب للناس؛ حيث الصحف اليوم تفوق صحف الماضي عدداً وتصميماً وإخراجاً وكتابات ومتابعات، مما يسهم كثيراً في نجاح العملية الانتخابية. فكما ذكر الدكتور إبراهيم الكرسني في إحدى مقالاته أن الانتخابات هي تنظيم ومال وإعلام؛ فالإعلام أصبحت له سطوته بشقيه المقروء والمسموع. حملات مبكرة الحزب الاتحادي الديمقراطي فقد بدأ تطوافه ومخاطبته للجماهير في الدوائر المختلفة وخاصة الولايات في وقت مبكر. وورد خبر في صحيفة الصحافة أن الإمام الصادق المهدي، زعيم الأمة، قد استاء من حملات الحزب الاتحادي الديمقراطي المبكرة في منطقة النيل الأبيض؛ حيث طاف معظم المدن والأرياف؛ لأنه تردد أن الحزب بدأ يؤلِّب صدور حلفائه بترديده دعاية احتمال تحالفه مع الحزب الشيوعي. ففي الوقت الذي أعلن فيه الصادق المهدي فيما بعد، حسب صحيفة الميدان 6 فبراير 1986م، خبر أعلان السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة أنهم سيصوتون لمُرشّحي الاتحادي في الدوائر التي لا يرشحون فيها أحداً من الحزب دون الدخول في تنسيق مع الاتحادي الديمقراطي، ودون انتظار إجراء مماثل، وقال إن توجههم توجه قومي، وأضاف أن الحزب يسعى للتفاهم مع القوى السياسية بالجنوب الا أن هذا الأمر لم يُحسم بعد. وأوضح في حديث لسونا أن التركيبة السياسية في تاريخ السودان قد تغيرت، ولا توجد أسس موضوعية لبناء أي تحالف أو تنسيق للانتخابات. كما أستاء المهدي أيضاً من حملات خصمه اللدود حزب الجبهة الإسلامية القومية، فكان يتصدر صفحات الصحف بجانب أخبار الانتخابات التي كانت قليلة من غير متابعات لصيقة للأحداث والحملات الانتخابية أو كلمات المُرشّحين. أخبار مفاوضات جون قرنق ومشكلة الجنوب. وأيضاً كما توجد أحزاب اليوم من ضمن برامجها الانتخابية كنس النظام القائم «المؤتمر الوطني» كانت هنالك أحزاب ضمن برامجها الانتخابية تصفية آثار مايو البائد فعجلة التغيير يبدو أنها طوت كل شيء إلا أن العقلية سياسية تعاقدت مع الركود، كما لم تبرز في صفحات الصحف في ذاك الزمان حركات مسلحة سوى حركة الدكتور جون قرنق. وأيضاً لم يكن هنالك وجود لندوات علمية ومحاضرات عن ثقافة الانتخابات والاقتراع وغيره، وكما كانت تتفشى الأمية، الأمر الذي طال حتى المُرشّحين مما أدى لشطب أعداد منهم بسبب جهلهم القراءة والكتابة. ومن طرائف الأخبار أوردت «لأيام» 17 مارس 1986م، خبراً تحت عنوان «تسجيل الترابي بالاستئناف»، ابتدرته بالعبارة: «جاء ما يلي عن إعلام الجبهة الإسلامية القومية: قررت محكمة استئناف الطعون إلغاء قرار محكمة الطعون القاضي بشطب الدكتور حسن عبد الله الترابي من كشوفات الناخبين بدائرة الخرطوم 3 الدويم والعمارات، وذلك بعد أن ثبت أنه يسكن في الدائرة المذكورة في منزل بالإيجار إلتباساً قد وقع برقم المنزل وذلك لا يؤثر على صحة التسجيل». وذكر إبراهيم الكرسني في إحدى مقالاته أن صحيفة «الميدان» خرجت بمانشيت عقب اعتماد ترشيح الترابي لدائرة الصحافة وجبرة مفاده: «ما ذنب سكان الصحافة»؟. متحدثين ولقاءات جماهيرية أما عن أبرز المتحدثين في اللقاءات الشعبية والندوات السياسية في ذاك الزمان حسب ما وردتهم الصحافة السودانية في ذاك الحين، فمن حزب الجبهة الإسلامية كان نائب رئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه الذي كان يعرف بعلي عثمان المحامي، بجانب نائب رئيس المجلس الوطني الأستاذ محمد الحسن الأمين، أيضاً كان يتبع اسمه وصف مهني «المحامي». الذي ترشح للدائرة «48» شمال أم درمان عن حزبه بجانب الدكتور الترابي، وكذلك ضياء الدين العباسي ومعتصم الفادني ويس عمر الإمام الذي ترشح في دائرة الديوم والعمارات منازلاً رئيس الحزب الشيوعي الأستاذ نقد، وأيضاً من المتحدثين من الجبهة الإسلامية عثمان مضوي وغيرهم. أما الندوات والليالي السياسية للحزب الاتحادي الديمقراطي فكان أبرز المتحدثين فيها مولانا محمد عثمان الميرغني، وزين العابدين الهندي، والسر حسن عبد القادر، والدكتور مأمون سنادة، بجانب محمد إسماعيل الأزهري، ومحمد أحمد قاسم، والدكتور عبد الحفيظ عبد الله الرفاعي، وآخرين. أما الأخوان المسلمون فكان الحديث لليالي الحاسمة الأستاذ صادق عبد الماجد، والحبر يوسف نور الدائم، والأستاذ ياسر عثمان. وأما أبرز المتحدثين من حزب البعث العربي الاشتراكي في لقاءاته الجماهيرية كان الأستاذ الراحل بدر الدين مدثر القيادة القطرية للحزب، وشقيقه تيسير مدثر المحامي، عبد المنعم محمد عبد الرحمن، عمر مهاجر محمدين، مأمون السماني والدكتور محمد حسن باشا، والأستاذ محمد حسن عتيق. أما حزب الأمة القومي فمن قياداته ومخاطبي الجماهير الصادق المهدي، الزهاوي إبراهيم مالك، الفاضل آدم، عمر نور الدائم، صلاح الصديق، سيد أحمد الحسن وآخرون. أما لقاءات الحزب الشيوعي فكان يتحدث فيها ويخاطب الجماهير محمد إبراهيم نقد، الأستاذة نعمات كوكو، الأستاذ إبراهيم الكرسني، حسن كنترول وفاطمة أحمد إبراهيم مُرشّحة الحزب في دائرة البراري مقابل عثمان مضوي من الجبهة الإسلامية وكذلك الخاتم عدلان. ويذكر في ذلك الزمان أن قانون انتخابات 1986م كان قد حدَّد يوم 31 مارس آخر يوم لعقد الندوات الانتخابية الجماهيرية.