{ كان الرئيس الأريتري «أسياس أفورقي» موضوعيَّاً وواقعيَّاً عندما تحدث في المؤتمر الصحفي المشترك مساء أمس الأوَّل مع الرئيس عمر البشير، وأمير قطر الشيخ «حمد بن خليفة»، والرئيس التشادي «إدريس دبِّي»، فقد انتقد «أفورقي» منهج السعي إلى ملاحقة ومحاولة توحيد الكم الهائل من الحركات المتمرِّدة في دارفور، وقال: (إنَّ الاهتمام بظاهرة الحركات هو جري وراء سراب، ومضيعة للوقت). وطالب أفورقي بالتركيز على قضايا موضوع الخلاف وإعداد ورقة عمل تعالج المشكلات يتوافق عليها الجميع. { وبالتأكيد فإن ما ذهب إليه الرئيس الأريتري هو عين العقل، وأساس الموضوعيَّة، ولُبُّ الحقيقة، فالرجل يعرف معظم قادة الحركات معرفةً وثيقة، فقد كانوا يقيمون، أو يتردّدون على «أسمرا» ردحاً من الزمان، كما أن خبرته وتجربته الطويلة في قيادة حركات الثورة الأرتريَّة منذ ستينات القرن المنصرم وفَّرت له معرفة كاملة بطبيعة عمل وتفكير تشكيلات المعارضة المسلحة التي تتشابه في طرائق عملها وتفكيرها على امتداد القارة الأفريقية. { هل تصدِّقون سادتي أن فندق «موفنبيك» الدوحة، يستضيف منذ أسابيع مناديب (24) حركة دارفورية مسلحة وغير مسلحة..!! نعم.. أربع وعشرين حركة، وبعضها لا يتجاوز عدد الأعضاء بها ثلاثة أو أربعة أشخاص!! وقد أشار الأخ «محمد محمد خير»، المستشار الإعلامي بسفارتنا بأبوظبي والملحق بوفد الحكومة للتفاوض، أشار إلى أحدهم وكان يجلس على طاولة بردهة الفندق قائلاً: (شايف الزول القاعد براهو داك..؟ ده عندو «حركة» وهو العضو الوحيد فيها)..!! { (24) حركة، بل أكثر، تسوح بين العواصم تتاجر بآلام أهلنا الصابرين الكادحين في دارفور، وتسترزق بمعاناتهم، وكل واحدة من تلك الحركات تزعم أنها المتحدث الرسمي والوحيد باسم شعب دارفور..!! { صدق الرئيس «أفورقي»، فلا يمكن إطلاقاً ملاحقة هذا السراب المسمَّى «حركات»، فإذا وقَّعت الحكومة اتفاقاً اليوم مع «حركة»، انشقت الأرض عن حركة أخرى، تتغذّى من حبل المخابرات الإقليميَّة والدوليَّة (السُّرِّي)..!! حيث يريد كل حاكم أن يصبح زعيماً (دوليَّاً) و(حلاّلاً) عالميَّاً للمشاكل.. مشاكل السودان فقط..!! { وقَّعت الحكومة اتفاقاً مع حركة تحرير السودان بقيادة «منِّي أركو مناوي» في مايو عام 2006م في «أبوجا»، ثم وقّعت مع مجموعات أخرى من الحركات المنشقَّة عن حركة التحرير، فصار بعض قادتها ولاةً ووزراء، مثل السيد «أبوالقاسم إمام» والي غرب دارفور، وقد كنت أول من يلتقيه في الصحافة لحظة وصوله مطار «نيالا» قادماً من أعلى «جبل مرة»، وسافرنا من دارفور إلى «طرابلس» بطائرة ليبيَّة ضخمة، ولكن على (دفعتيْن)؛ لأن وفد الحركة رفض السفر مع وفد الحكومة على طائرة واحدة!! ثم وقّع الطرفان الاتفاق برعاية الزعيم الليبي العقيد «معمّر القذافي»، وخطب فينا القذافي خطبة، أو قل (محاضرة)، حول حاجة الشعب السوداني للوحدة، ومحاربة الاستعمار والإمبرياليَّة، وسخر من الحركات وقال: (كل دولة تدفع لهم عشرة آلاف دولار يروحوا يتمردوا)..!! { وصار «مناوي» كبيراً لمساعدي رئيس الجمهورية، و«أبوالقاسم» والياً على غرب دارفور، وفلان وزيراً، وعلان وزيراً، و... و....!! { ثم ماذا بعد ذلك؟! ما الذي اختلف في دارفور؟ هل تعيين قادة الحركات وزراء أو سفراء، أو حتى نواباً للرئيس، يحل مشكلة النازحين والفقراء والمساكين؟! { وبالأمس وقّعت الحكومة اتفاقاً إطاريَّاً لوقف إطلاق النار وقسمة السلطة والثروة والترتيبات الأمنيَّة مع حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور «خليل إبراهيم»، وهي حقيقةً الحركة الأكبر والأقوى تمرُّداً في دارفور. { فلتمضِ الحكومة في الاتفاق إلى نهاياته، على الأقل، لأنَّ «خليلاً وصحبه» الأقدر على (أذيَّة) الحكومة والمؤتمر الوطني أكثر من غيرهم؛ لأنَّهم كانوا جزءاً من تشكيلات التنظيم الحاكم سياسيَّاً، عسكريَّاً وأمنيَّاً، ولهذا أمكن لهم إحداث الاختراق الكبير بدخول أم درمان في مايو عام 2008م. { ولكن كفانا من بعد ذلك مفاوضات واتفاقيات مع حركات تتناسل كل يوم، كل «حركة» تلد أخرى، وكل أخرى تلد أخرى، ولا نهاية لهذا المسلسل العبثي إلاّ بالعمل بنصيحة «أفورقي». { ماذا تريدون يا قادة الحركات؟ تنميةً وتعميراً؟ الحل في تشييد طريق الإنقاذ الغربي، وتعمير وبناء دارفور بالاستفادة من تبرُّع الأمير القطري (مليار دولار) وتبرُّع البقية من الزعماء العرب (الملك عبد الله بن عبد العزيز، والزعيم القذافي) وغيرهما. { الحل في إقامة المصانع، والمدارس، والجامعات والمستشفيات، وليس في تعيين «زيْد» أو «عبيد» نائباً للرئيس، أو مساعداً، أو والياً. { الانتخابات هي التي تحدِّد قسمة السلطة، والولايات الثلاث يحكمها الآن أبناء دارفور، ليس من بينهم مواطن سوداني من الشماليَّة، أو الجزيرة أو نهر النيل. { مبروك التوقيع.. مرحباً بدكتور «خليل» ودكتور «جبريل».. وبقيَّة العقد في وطنهم السودان. { أتركوا للحركات «المليار دولار» والبنك المقترح، ليبنوا دارفور بأنفسهم بإشراف (خبراء دوليين) متخصصين في التنمية.. هذه هي المفاوضات.. فكفاهم تجارةً (خاسرة) باسم السودان.. كفانا وسطاء وشركاء.. كفانا مفاوضات.