{ تلقيت دعوة جهيرة وكريمة من حزب المؤتمر الشعبي لحضور تدشين حملته الإنتخابية، غير أن وعكة صحية طارئة جعلتني أتخلّف عن فعاليات حملة الشعبي الإنتخابية، والتي دارت أحداثها أمسية الأربعاء الماضي بقاعة الصداقة بالخرطوم. لكني قد تابعت عبر وسائل الإعلام مجريات ومخرجات هذه الحملة، وحقيقة قد بُهرت جداً بالرؤية التي قدمها السيد آدم الطاهر حمدون لإدارة ولاية الخرطوم، إبتدر السيد حمدون رؤيته بالأسباب التي جعلت الخرطوم دون غيرها تحتشد بالخدمات، عزا بعضها لأسباب تاريخية وأخرى فرضتها الحروب والصراعات المحتدمة في أكثر من جبهة، بحيث أصبحت العاصمة مكتظة بالسكان بمعدلات زيادة لا تقوى بنياتها الأساسية على الوفاء بمتطلباتها العاجلة، وطرح الرجل حمدون رؤيته لإدارة الخرطوم من خلال فك احتكار عملية تقديم الخدمات لإتاحة الفرصة للقطاع الأهلي والمدني والخاص للإسهام فيها، ومعالجة الاختلال في الوظائف لترشيد الإنفاق العام، وإعلاء قيم التدريب المهني والإداري وإصحاح بيئة العمل وإتخاذ علاقات مميّزة بين المخدِّم والمستخدِم، وفي رؤية الرجل مُتسع لاستيعاب جيوش الخريجين و(العطالى) وإعانتهم على أسباب الحياة الكريمة،..و...و... { غير أن الجديد في خطاب المهندس حمدون خاصة والمؤتمر الشعبي عامة، أنه لم يستهلك وقته (ويشتِّت) أنظار المستمعين في توزيع التهم على الآخرين، ولكنه مضى مباشرة لطرح برنامجه ورؤيته الطموحة، لكن مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية الأستاذ نيال قد ابتدر حملته بالجملة الآتية (وإذا كان قدرنا في هذه المرحلة من عمر بلادنا أن نُبتلى بنظام سمته التجبُّر والتسلُّط على رقاب الناس وكبت حرياتهم وتزييف إرادتهم والضلال والفساد والبؤس)، هكذا احتاج الأستاذ عبد الله دينق نيال لنصف الزمن الممنوح له حتى يتخلّص من أعباء (المؤتمر الوطني)، ثم لينطلق فيما بقي له من وقت لتوظيفه لصالح حملته الإنتخابية. { أتصور أن بعض كوادر المؤتمر الشعبي من أمثال السيد حمدون، قد تمكّنوا من تجاوز مراراتهم مع المؤتمر الوطني، غير أن البعض لا يزال يعتقل نفسه ويرهن مجهوداته في (مربع المفاصلة) والمدافعة، وأشهر هؤلاء الكوادر بلا منازع هو الأستاذ كمال عمر، وأتصور أن الأستاذ كمال عمر المحامي والأمين السياسي هو أشهر العقبات التي تحول دون إلتقاء المؤتمرين. صحيح أن الرجل قد تعرّض في ظل حكومة المؤتمر الوطني للسجن والملاحقة ويحتفظ بكثير من المرارات الشخصية، إلا أنه يبقى الإمتحان الأصعب لأهل المبادئ وحَمَلة الأطروحات النبيلة هو في امكانياتهم ومقدراتهم التخلُّص من (الأعباء الشخصية لصالح القضية العامة). { ولا أتصور أيضاً أن العداء التراكمي بين المؤتمرين هو أعظم من العداء التاريخي بين الإسلاميين والحركة الشعبية، ولا هو أعظم وأعمق من العداء بين (المؤتمر الوطني وحركة العدل والمساواة)، غير أنه قد أصبح للمؤتمر الوطني (إرث تراكمي هائل) في تجاوز المرارات و(قلب الصفحات)، ويتعين على المؤتمر الشقيق امتلاك هذه الإرادة حتى يعبُر المؤتمران هذا الواقع المرير، ويفترض أن هنالك (أناس وفاقيون) ليس من بينهم كمال عمر ودكتور نافع، ويفترض أن ينهضوا بأعباء هكذا مصالحة، ولو أن يلجأ هؤلاء عقب طي ملفات الحركات المسلحة يلجأوا (لدوحة الخير) ذاتها وأميرها الشيخ خليفة بن حمد، لتضييق الشُّقّة بين جناحي الإسلاميين، خاصة وأن الدوحة قد اكتسبت خبرة هائلة في مخاطبة قضايا السودانيين، فضلاً عن العلاقة المميزة التي تربط بين الشيخ خليفة أمير دولة قطر والشيخ حسن الترابي زعيم الإسلاميين التاريخي والأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، ويُقرأ ذلك مع العلاقة الناهضة المتطورة بين إمارة قطر ودولة السودان ممثلة في المشير البشير. على أن وصول دكتور خليل إبراهيم وإخوانه إلى الخرطوم قد يكون بمثابة تشييد جسر هائل، يمكن لبلدوزرات المؤتمرين أن تمر من فوقه، لطالما كانت كل المشاحنات الأخيرة بين المؤتمرين بسبب الاتهام بالإنتماء لحركة العدل والمساواة، ولو صح أنها كانت بمثابة الجناح العسكري، فما بال الجناح الشعبي! { ولماذا والحالة هذه لا نرفع لكل الساحة السياسية السودانية ولهذه المرحلة (شعار المصالحة)، فغير العدل والمساواة، فقد إلتأم أبناء العمومة السيد الصادق ومبارك المهدي، ونحتاج لخطوات أخرى بين الإتحاديين والإسلاميين.. والله أعلم..