قررت أن أعود مرة أخرى لأستقي مصادر استنارتي من الإذاعة، مثلما كنت أزاول ذلك إلى عهد قريب، (والنِّسى قديمو تاه)! لا يتجاوز العقد من الزمان. فنحن جيل تربى إعلامياً على ما تبثه الإذاعة سواءً تمثّل ذلك في إذاعة الوطن أو إذاعة القاهرة و(صوت العرب) أو إذاعة ال (B.B.C). استمعنا من تلك الإذاعات إلى أجمل البرامج والمسلسلات الدرامية والأغنيات العاطفية منها والوطنية، كان البث الإذاعي وقتها بمثابة نظافة لآذاننا وتنويراً لعقولنا وتنمية لخيالنا.. ولكن بعد أن اجتاحنا وباء التلفزيون وتطوّر إلى إعصار فضائيات (تجيب الخبر من قرونه) تراكمت (أوساخ) في آذاننا وأصاب التشويش تفكيرنا. وبما أن الزمن لمن يعمل في مهنة المتاعب يتآكل باستمرار وتتضاءل الفرصة لمشاهدة الفضائيات إلا في حالات استثنائية ومن ثمّ لا تتبقى سوى الإذاعة لتصبح خياراً أمثل خاصة في آخر الليل ويا حليل ما زال الليل طفلاً وعلى الصوت الصادر منها يتم (التحذير) من خلال جهاز صغير يرقد بالقرب من الأُذن. ينتابني الآن إحساس بأن (الإذاعة) أصبحت مثل (الأم أو الحبوبة) التي تُهدهِد طفلها من خلال الحكايات وتزرع فيه السكينة ليغُط في نوم عميق هادئ. إن ما يصدر من المذياع لن يشاركك في الاستماع إليه أحد لو أردت ذلك إذ يمكنك التحكم في الصوت وخاصة في الهزيع الأخير من الليل، بينما التلفزيون ليست لديه هذه (الميزة) إذ بدون صوته (العالي) الذي يخترق حتى حاجز (الصمت) لدى الجيران، فلن تستطيع متابعة ما يصدر عنه، لأنه في حالة خفوت الصوت يعود بك إلى زمن السينما الصامتة!! وبما أننا الآن على (فركة كعب) من إنتخابات قادمة سوف تشكِّل بإذن الله ملامح جديدة لوطن (يقالد) شماله جنوبه و(يحتضن) شرقه غربه.. وطن يشد بعضه بعضاً.. وهنا كنت آمل أن تُشنّف الإذاعة (الأصل) حلوة الأصل دي آذاننا بالأناشيد والأغنيات الوطنية التي نعتقد بل نجزم أنها تعبِّر عن مدى عظمة هذا الوطن وأمجاده والانتماء له، هل الأناشيد والأغنيات الوطنية في حاجة إلى مناسبة وطنية حتى تُبث؟ لماذا تظل حبيسة مكتبة الإذاعة؟ ونتساءل: هل هناك مناسبة وطنية أكثر مما نعايشه الآن من زخم لتغيير الخارطة السياسية من خلال الإنتخابات؟! هل التغنّي بحب الوطن لابد أن يكون موسمياً؟ أين هي المشكلة؟ إن بريق تلك الأغنيات الوطنية سوف يتوهّج (الآن) فاطلقوا سراحها حتى تعود النظافة مرة أخرى إلى آذاننا، والتنوير إلى عقولنا، بعد أن حاصرتنا أغاني ثاني أكسيد الكربون و(عوادم) أغاني البنات!! النكتة إتنين مساطيل قاعدين تحت ضُل مبنى مكوّن من عشرة طوابق.. شافوا زول واقع من شباك الطابق العاشر، قام واحد سأل التاني: رأيك شنو؟.. الزول دا ممكن يموت؟. فقام المسطول التاني لقى المنتحر إتجاوز خمسة طوابق فردّ: لغاية هسع هو بصحة جيدة!!