سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً جداً حتى تعرف غالبية النساء في السودان أن الاحتفال باليوم العالمي للمرأة يفوق ساعات الغناء والمسرحيات ذات الطابع «الحريمي» وتصريحات الإمام الحبيب «الصادق المهدي» كنصير شهير للمرأة السودانية! وبالضرورة لن يتوقف عند «الختان»..ولا «الناسور البولي» ولا «جرائم الشرف»! وسيكون الاحتفال مُبرَّراً فقط حين حدوث شئ مهم للمرأة إن كان على المستوى الخدمي أو التشريعي.. المدني أو الرسمي.. وماعدا ذلك سيصبح اليوم مجرد حالة بذخية لا تقل في سخفها عن «رقيص العروس»! لأن الشؤون اللازمة لضمان حياة المرأة في السودان لم تصل حتى الآن مستوى الاحتفالية بعيدها مع الأخريات في العالم.. ليس تقليلاً من حفر المنظمات الطوعية والناشطات في مجالات حقوق المرأة، لكنها مجموع الحقائق المؤسفة جداًً كأن نكون من أوائل البلدان في الوطن العربي وأفريقيا التي نهضت لتعليم المرأة ويكون تقرير أحصاء الأمية النسائية حوالي 38 %من نساء السودان ..! حقيقة محزنة أن يكون مستشفى الدايات بأمدرمان هو الأول على مستوى أفريقيا باعتباره المستشفى الوحيد المتخصص في التوليد فقط.. وتبلغ نسبة وفيات الحوامل (10) من كل (100) ألف حالة.. «السودان يتناصف النسبة الأعلى في وفيات الحوامل مع الصومال عالمياًً» ! حقيقة محرجة جداً أن تكون حالات العنف ضد المرأة هي الأكثر تسجيلاًًً في المحاضر الشرطية ويوميات التحري! وقس على هذه الحقائق كل ما يتعلق بأمور النساء في السودان والتناول الإعلامي المخجل لها في النوافذ الإعلامية الرسمية وغير الرسمية، بدءاً من النقل الإعلامي لأخبار المرأة الرسمية التي تأتي دائماً في المراتب الأخيرة - إن أتت من الأساس - وانتهاءً بالبرامج أو الصفحات الموجّهة لها، التي لا تتعدى أبدا أمور الطبخ والغسل والغزْل ومشكلتك لها حل؟ (المرأة لم تولد لكنها صنعت..) «سيمون دي بو فوار- أديبة فرنسية».. والصناعة الوطنية الفاخرة لبضاعة المرأة السودانية تنكفئ في «حفرة الدخان» و«زينةالعروس» و«زينة الدلكة»، وتعلن لها عبر ناقل إذاعي وتلفزيوني وصحفي باعتبار أنها بضاعة تهم شريحة مهمة في المجتمع وتأتي بعائد غير محفوف بالخطر لضمان تسويقه! على ذات النسق يتسق كل منتج يمجد التحسين الخارجي للشكل الأنثوي للمرأة. الغريب أن معظم هذه البضاعات والصناعات بخبرات نسائية بحتة! تسيطر عليها الشخصية الذكورية المبنية في غياهب عقولهنّ على مر سنين النسيج المجتمعي السوداني بنظرية «سطحية المرأة..!» وتعزز هذه النظرية العبقرية بمثل يضرب دائما «إن أشهر الطباخين رجال!» وهو دليل على ذكاء الرجل في شؤونها التي أظهرت غباءها المفرط فيها.. وسطحيّتها! هذه العقلية المزدوجة لدى بعض النساء هي ما يطلق عليه الخبراء الاجتماعيون «عدو الداخل» وهو بلا شك أخطر وأدهى من عدو الخارج الذي تتأهب له بكل ما تملك من ردود واجتهادات فيفنّدها بالذي بينك! وما بيننا الآن في شؤون المرأة هنّ النساء ذوات العقلية التقليدية اللواتي نصطدم بأفكارهنّ «الغرائبية» في ما يخص أمور النساء - هنّ أيضاً - إذا كنّ متخذات قرار أو في مواقع إعداد إعلامي على كافة أوجهه... هنّ المصدّرات لمفاهيم النوعية والحصرية والسطحية واللامبالاة والاضطهاد والسلعية في تناول قضايا المراة. وإذا استمرت العقليات بلا ثقوب في نظرياتهنّ من حفريات الوعي بقضايا المرأة الحقيقية فإن اليوم العالمي للمرأة السوداني سيكون كالرقص في ظل القمر للبنات العذراوات لضمان خصوبتهنّ التي تضمن أنوثتهنّ كأمهات لاحقا ! «أسطورة أفريقية» وسيكون على وجوهنا عبوس السؤال.. فكيف سنفرح بحلول ميعاده وتوقيته الصباحي أو المسائي بالاحتفال ونحن عندنا كل هذا الكم والكيف من المشاكل والقضايا العالقة بين سماء الحلم وأرض الواقع؟ ( ولتعذروا جباهنا التي تقطبت من أول الصباح فنحن عندنا الذي يكفي من الأسى ونحن عندنا الذي يكفي من الجراح..) قصيدة محطة السوق ل «كمال الجزولي».