(أحمد) طفل صغير يبلغ من العمر سبعة أعوام أو يزيد قليلاً، في عيونه شقاوة أطفال الجزيرة وعلى يديه حزمة من (الملصقات) اللامعة لا يكاد يميز أو يهتم بما كُتب فيها، فقط يحملها ومعه مجموعة من الأطفال في نفس عمره الغض وجسده النحيل، هؤلاء الأطفال الذين ترك معظمهم (الدراسة) كانوا يعملون في تجارة الأكياس قبل منعها بموجب القانون الذي أصدرته الولاية، ولكن لم تستمر حالة (التلفُّت) تلك طويلاً فسرعان ما استوعبتهم الحملة الدعائية للمُرشّحين، ووجد أحمد وزملاؤه أنفسهم يعملون مع المُرشّحين بمقابل مالي لا يكاد يسد جوع بطونهم، فالظروف الضاغطة اضطرتهم للقيام بأدوار في الحملة ليست صغيرة بالرغم من أنهم صغار ولا يعرفون كثير شيء عن الانتخابات والدوائر الجغرافية سوى أن هؤلاء المُرشّحين يمتلكون الكثير من النقود، وهو حال الكثيرين مثلهم بالرغم من أن سوق المعيلق أكبر الأسواق في ولاية الجزيرة ولكن الضرر البالغ الذين لحق بهؤلاء الأطفال أنهم غُرر بهم وتم توظيفهم بكل ما يلتمع في عيونهم من براءة، ليس بوضع الملصقات وإنما تمزيق ملصقات المُرشّحين المنافسين، ولذلك تحوّلت واجهات السوق من (صيدليات) ومتاجر (وأكشاك) إلى شريط سينمائي ممتلئ بالصور والشعارات، بينما تعرضت الملصقات الأخرى للتشويه والتمزيق مما أثار حنق الكثيرين، وإن كان الصغار الذين تم استغلالهم لا يتحمّلون المسؤولية فثمة أيادٍ خفية تحركهم، وهى الحالة التى كانت لافتة للأنظار في الدائرة التى تشهد منافسة حادة دخلت حتى المساجد والمدارس والبيوت، وربما تفرز حالةً من الاستقطاب يصاحبها المزيد من العنف. وتكاد المنافسة الشرسة في الدائرة تنحصر بين مُرشّح المؤتمر الوطني حسب الرسول الشامي، والمُرشّح المستقل محمد أبوزيد المصطفى، ومُرشّح المؤتمر الشعبي محمد الحسن المعروف (بالشوتلابي)، والمُرشّح المستقل ياسر محيي الدين الجميعابي وآخرين. وبما أن الكثيرين لم يحسموا خياراتهم بعد، سواء كان ذلك في التصويت للمُرشّحين على مستوى المجلس الوطني أو على مستوى الولاية ورئاسة الجمهورية، التى فشلت في أن تجد لها حظاً وافراً بين المُرشّحين في المستويات الأخرى. والأزمة برمّتها، غير الاستقطاب، تكمن في الجهل بعملية الاقتراع وسط المواطنين وعدم إلمامهم بكثير من تفاصيل الانتخابات، حتى بدت الانتخابات هناك وكأنها ظاهرة تدعو للدهشة والاستغراب!