ليس ثمة حاسة تعمل في «الجزيرة أبا» اليوم مثل حاسة السمع.. بل تكاد تكون تلك الجزيرة الشهيرة في التاريخ الحديث، كلها آذان الآن.. تسمع من أقصى نقطة جاءت منها الحركة الشعبية لتحرير السودان، إلى أدنى فاصلة خرج منها، أو عبرها، تيار الخط العام في حزب الأمة القومي إلى حيز الوجود في فبراير من العام الماضي. ومن بين أربعين مرشحاً يمثلون جل طيف السودان السياسي يبذلون الوعد والبشارة، ويخاطبون من يخاطبون من أهل الجزيرة الهادئة.. التي صمّت آذانها لقرن أو يزيد، لا تسمع سوى صوت واحد، أو تسمع منه صداه إذا اتسع النطاق قليلاً، وبرغم ما يبدو من أن السيل الانتخابي الجارف، وما حمل من زبد إلى دائرة الجزيرة أبا بمستوييها القومي والولائي، لن يكون نهاية مطاف تلك التحولات الكبرى التي شهدتها وتشهدها المنطقة، بمثلما أنه لم يكن كذلك بداية لها بكل تأكيد، بيد أن أحداً لا يستطيع التكهن إلى الآن على الأقل بما ستقوله الصناديق إذا ما نطقت في أبريل المقبل، وهل ستؤكد تلك الصناديق بما ستقول غداً مقولة «إن الأرض لا بد أن تلعب لصالح أصحاب الأرض».. وهم هنا وإلى أن يثبت العكس.. حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي آخر نواب الجزيرة أبا في الديمقراطية الثالثة، أم أن الأرض ستنحاز هذه المرة إلى أصحاب القرار بنزع ملكية أراضي الجزيرة أبا نفسها من ملاكها السابقين «ورثة الإمام عبد الرحمن» لصالح سكان المنطقة في مايو 1990م وهم هنا في هذا المقام.. المؤتمر الوطني.. الحزب الحاكم الآن. ولا يعرف إلى الآن على وجه الدقة والتحديد كيف ولماذا لم يرم حزب الأمة القومي بمثقال كبير يوازي رمزية وتاريخية هذه المنطقة؟ أو حتى أن يعلن من على أرضها مباركة بدء حملته الكبرى.. أو أن يجعلها كما درج في السابق محطة لأحداثه المهمة .. مثل احتفالية جمع الصف بين قطبيه «الصادق ومبارك».. بمثلما فعل صنوه الآخر في معادلة ما بعد الاستقلال «الاتحادي الديمقراطي الأصل» الذي أفلح في تسديد ضربة إرساله الأولى من معقله الرئيس بمدينة كسلا. فيما لم يجد حزب الإمام الصادق المهدي بداً من أن يستهل نشاطه الانتخابي في دائرته التاريخية باللجوء إلى ما يمكن وصفه في قاموس كرة القدم .. ب «فاولات تكتيكية» لوقف تقدم منافسيه الجدد، مثل الطعن في صحة اجراءات تسجيل المهندس غازي الصادق عبد الرحيم وزير الشؤون الاجتماعية المرشح حالياً لمنصب والي ولاية النيل الأبيض عن حزب الأمة الإصلاح والتنمية والشيخ عبد الرحمن محمد عيسى أحد القيادات الشابة بهيئة شؤون الأنصار الذين انحازوا إلى حركة الاصلاح والتجديد بحزب الأمة ثم إلى المؤتمر الوطني. بل وعلى غير العادة في مثل هذه الأمور لم يجد أنصار حزب الصادق مناصاً من اللجوء إلى الشرطة لفتح بلاغات بحق مرشحي تيار الخط العام بحزب الأمة القومي مبارك الطيب جراب، وأحمد عمر دريج للدائرتين القومية والولائية.. في سابقة هي الأولى من نوعها على الاطلاق لنقل خلافات سياسية الطابع هي بالأصل إلى مدونات الشرطة الجنائية. وربما يتبادر إلى الذهن هنا سؤال.. هل أصبح حزب الأمة القومي هو الطرف الأضعف في معادلة الأرض والجمهور بالجزيرة أبا حتى يضطر إلى حيل العاجزين لدرء الخطر عن مرماه بلعب «الفاولات التكتيكية» كما يعرفها معلقو مباريات الكرة.. بعد أن كان هو الحزب صاحب الحول والقوة والطول.