في شهر سبتمبر من العام 2004م كانت الأجهزة الأمنية تبحث عن أستاذ الهندسة الزراعية بجامعة الخرطوم الحاج آدم الذي أطلقت عليه لقب قائد الانقلاب وزعيم المحاولة التخريبية، وقامت باعتقال معظم قيادات المؤتمر الشعبي وأودعتهم سجون كوبر ودبك وبعض المعتقلات الأخرى، وظن الناس أن الحرب بين الإسلاميين في السودان سوف تشتعل، لتبدأ قصة السلاح المدفون في الظهور الى السطح في الوقت الذي اختفت فيه الكثير من التفاصيل عن الرأي العام. لكن دوام الحال من المحال، وأن يستمر الواقع السياسي في السودان على وتيرة واحدة فذلك ضرب من ضروب المستحيل. وتطورت الأحداث وجاء رئيس حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم بقواته الى أم درمان في اليوم العاشر من شهر مايو 2008م يبتغي إسقاط الحكومة أو إظهار قوته العسكرية، ولم تجد الحكومة سوى المؤتمر الشعبي لتوجه اليه أصابع الاتهام بأنه يقف خلف أزمة دارفور حتى صارت مجالس المدينة تنتظر إشارة الأمين العام للمؤتمر الشعبي حسن الترابي لحل المشكلة بعد أن أودعته الحكومة السجن من بعد السجن ولم تشاوره في طريق الخلاص. ومنذ الساعة العاشرة صباحاً بالمركز العام للمؤتمر الشعبي كان يوم أمس المعلن عنه عنواناً لمأساة إنسانية أخرى لأزمة دارفور بعد أن اعتصمت أسر المحكومين: «يوسف محمد صالح يس وإبراهيم آدم هارون وعبد الحليم آدم صبي ويوسف نورين حجر وعلي أحمد الطيب وموسى إسحق وخالد عثمان حاج إبراهيم وعوض صديق فقيري وعبدالمنعم الجاك وأنور عبد الرحمن وعبد الكريم أحمد يحيى وأحمد محمد زين»، بالإضافة الى أسر المعتقلين: «حمدي جبريل أحمد ونقد الله خليل أحمد سعيد والدومة إدريس حنظلة وأحمد عيسى وأحمد ضحية ويس محمد آدم جمعة»، وحمل الأطفال (سندوتشات) دون أن يقربوها الى أفواههم بعد أن رفضوا تناول وجبة الإفطار. وقال محمد يوسف يس في كلمته التي ألقاها عند بداية الاعتصام: «لقد تعرض ذوونا لقهر الحكومة بعد اندلاع مشكلة دارفور، ونحن نخاطب ضمير العالم الحي من أجل الضغط لإطلاق سراح ذوينا الذين يقضون (7) سنوات في السجن». ويقول بيان صادر من أسر المحكومين بسبب قضية دارفور: (لقد ظلت قضية دارفور إحدى القضايا المهمة والمُلحة التي تحتاج الى معالجة عاقلة، حيث أدى تصرف الحكومة العسكري والأمني الى تفاقم الأزمة التي أثرت إنسانياً على مواطن دارفور دفع الثمن غالياً في روحه وحريته، ودفع السودان الثمن في استقراره السياسي الذي تحيط به الآن قرارات الشرعية الدولية، بالإضافة الى الاحتقان الداخلي الذي يحيط بواقعنا السياسي ونحن مقبلون على انتخابات للتحول نحو دولة الرشد. في هذا الوقت تجرى مباحثات الدوحة لحل قضية دارفور من أجل الخروج من هذه الأزمة رأينا أن نقدم رسالتنا الى الوسطاء والشركاء والمجتمع الدولي منبهين الى وضع إنساني بالغ التعقيد لأبناء المحكومين والمحتجزين والمشردين في معسكرات النزوح واللجوء الذين يدفعون الثمن غالياً جراء الأزمة، ويوجد في سجون السلطة مئات المعتقلين والمحكومين الذين تمّت محاكمتهم واعتقالهم بموجب قانون الأمن الذي لم يوفر لهم محاكمة عادلة بل راحت جراء ذلك أرواح عزيزة في معتقلات الأمن لم تتمكن أسرهم من ملاحقة الجناة. وختم البيان عباراته: (نحن أطفال وأسر هؤلاء الموقوفين نناشد منبر الدوحة ممثلاً في القيادة القطرية والوسطاء والشركاء الضغط على الحكومة السودانية لإطلاق سراح المحكومين والمعتقلين). يقول الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي، كمال عمر، وهو رئيس هيئة الدفاع عن المعتقلين، إن أسر المحكومين دفعت الثمن غالياً في أزمة دارفور بعد أن تم اعتقال ابنائها من دون سند دستوري وتعرضوا لمحاكمة غير عادلة وفقاً للدستور الانتقالي، ووجه رسالة للوساطة القطرية الدولية بالمطالبة بإطلاق سراح هؤلاء المعتقلين والمحكومين. وكشف عن تعرض اثنين من المعتقلين لظروف قاسية، وأشار الى منع الأسر من زيارتهم في السجن وفقاً للحقوق المكفولة لهم. كانت الأسر تستمع الى خطاب الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي ومن خلفه لافتة مكتوب عليها (أطلقوا سراح أبي) وبجوارها صور للمحكومين تحكي عن نيلهم لأرفع الدرجات العلمية. وتقول ثريا الأمين عبد الله، والدة المحكوم خالد عثمان، إنها تريد أن تتضامن مع كافة المعتقلين، قبل أن توجه سؤالها الي الحكومة: لماذا هم محبوسون حتي الآن؟ ولا تملك ثريا إلا أن تصف ابنها بالمجاهد الذي قدم مع إخوته للحركة الإسلامية والحكومة ما لم يقدمه آخرون يستمتعون بثمار الدنيا ونصيب السلطة. وكذلك تشاركها قسمة آدم عبد الله بالدعاء لله أن يفرج عنهم. وبعد قليل جاء الأمين العام للمؤتمر الشعبي، الدكتور حسن الترابي، وهو يترك منصة المخاطبة ليلقي بالتحيات على الأسر ويقول: (نبدأ الخطاب للذين قدموا لهذه الدار في هذا الصباح أبناء المحبوسين حكماً وأَسْراً ، هم أولى بالخطاب وجهاً لوجه من الآخرين). وأشار الأمين العام للمؤتمر الشعبي الى اهتمام العالم بقضية حقوق الأطفال، وضرب مثلاً بأطفال فلسطين الذين تُعرض قضيتهم في وسائل الإعلام في هذه الأيام، ونبّه الى أن هدف الحكومة من الاعتقال هو الضغط على الأسر لكي يسيروا مساراً لا يرضونه، ولكنه أشار الى قيمة الصبر حتى تنفرج أزمة السجن، وقال إنه يشعر بما يعانيه الأطفال عندما يرون ذويهم في السجن، وزاد بالقول: (حسبنا أن اتفاق الدوحة الإطاري سيكون فرجاً بين الناس ولكن قبضة الظلم والقسوة حالت دون أن تفرج عنهم)، ورأى أن صور الأطفال المعتصمين قد تحرك مشاعر أهل السودان بكل الأزمات الموجودة في البلاد ومن بينها الأعراض المؤذية بحسب وصفه للاعتقال والسجن القادم بسبب أزمة دارفور، ولمح الى أن الرأي العالمي تأثر بصور المأساة الإنسانية في دارفور أكثر من اهتمامه باستراتيجيات المصالح. وختم قوله :(هؤلاء الأطفال لا حيلة لهم ولكن قوة الله غالبة لينتقم لهم ممن ظلموهم وحرموهم من الأسرة التي خلقها الله إطاراً لازماً لينشأوا فيه).