لأنك بدونك بكون الكسوف يلقط ظلام الليالي النجوم غيابك عذابي البهد الكتوف وصنة سكونك صبيب الغيوم فقدك حضورك وبعدك رجوعك بعدك رجوعك وفقدك حضورك تغني المداين ويسلم ربوعك غيابك مسافة و مدار شحوب وانتظار تعودي وتجودي وأفرش ظلالك بوادي وأنوم «هذا خروج بالكلام من الشفافية والفهم الى الأدب الكتابي، الى النصوصية الرفيعة والنظم ، نظم عظيم الحساسية والتجرد، خروج من التاريخية الى المعاصرة، شعر يتمرد على شدو أهل التقليد والباحثين عن رصانة الريف وخفة المدن والقرى، ولكنه سائغ سلس عذب في حنجرة المحدثين أمثال مصطفي سيد أحمد» هكذا اختتم الأستاذ الراحل المقيم الدكتور احمد الطيب زين العابدين مقدمته للكتاب الشعري الاول للشاعر والمخرج المسرحي و التلفزيوني الصديق قاسم أبو زيد الموسوم ب «لوحة وطن في عيون طفلة» الذي صدر في العام 2000م عن دار عزة للنشر والتوزيع، لوحة الغلاف للفنان التشكيلي حاتم نابري والخط الحر للفنان المرضي عبد الله إنت في الدم برتكانات تطرد الهم احتفالات دمي نازف سوي أشكال كبي دمعة تبقي أطفال غسليهن بي دموعك و سمرتك صبي في عروقن ملامحك وخضرتك وزعيهن في رمالك بين ضليلة وحر هجيرة علميهم يغنوا تمتم قولي ليهم غنوا تمتم كلميهم وغنوا تمتم ينحاز الشاعر قاسم أبو زيد الى غنائية عذبة وينتمي الى تراكيب إيقاعية متميزة في امتصاصها لصوره الشعرية المدهشة، هي تلك الدهشة التي تتسرب الى قارئ ومستمع قصيدته، الشاعر قاسم أبو زيد شريك حميم في مشروع مصطفى سيد احمد الغنائي «ضليت ، عباد الشمس ، نشوة ريد ، سافر ، قولي الكلمة ، يا مزماري غني ، القاك وين ؟ ، أدفقي ، درع الاميرة ، علميني الإحتمال» في كتابه الشعري الأول «لوحة وطن في عيون طفلة» يكتب قاسم ابو زيد قصائده بذاكرة «تربال» أو يغني قصائده بذاكرة لها مرجعية مزارع فنجد ان كلمة «تربال» وكلمة «سنبلة» تتكرر كثيراً «أحلام تربال زرعك فرحة تربل ونام ، الترابلة هناك كتار شتتو العيش للمواسم ، التربال الساقية افراحو عطش النيل لو زاد اتراحو نار الشمس بتشفي جراحو ، أي واحدة تشيل ملودة نزرع الخير لو يعود ، آي همة تغني موال آي واحد يبقي تربال ، وري البنيات العزيق ، محمية بي عرق الترابلة و نغمتك ، كلمت ترابلة عاملين جمعية ، يحن يغشاها مره شروق يخدر من عرق تربال» كما أن مفردة «السنبلة» تواجدت في سياقات شعرية مختلفة و تحملت عبء أن تجوهر رؤية الشاعر «عرق السنبلة قمح الزمن البكي السوس، الايادي على السنابل، عرقو بيسقي السنبلة تكبر، متكية قرية وقنبلة مبكية دمعة وسنبلة، ما تصغري تكبر اماني السنبلة، صداك الريح ومن السنبلة الغناي» تأمل استخدام الشاعر قاسم أبو زيد للتضاد بين السنبلة والقنبلة «متكية قرية وقنبلة مبكية دمعة و سنبلة» أو «ما تصغري تكبر أماني السنبلة هيا اكبري تصغر معاني القنبلة» ذاكرة الشاعر المغني التربال تنثر تفاصيلها في معظم القصائد و هي ذاكرة إنحاز لها الشاعر بتلقائية و فجرها في الصور الشعرية «عين الراجل طينة جرفو ، سألنا الغيم عنادك رد ، النيل يدفق ألف نهر علي يدي ينتشي ويجمع صفافو، الموية تفتح ألف منفذ للنخيل ، وانا يا نضوج وجد الثمر ، قمم الجبال قندول، فك المريق الريق، النيل طمح ضهرو ادى الصحاري الري، النفوس تبقى السحاب القلوب تبقى الاراضي، نزرع الوطن اليباب، الجروف فتحت مداها، الغيوم شايلة المطر، ودع الليل والفتر خدر الارض اليباب، كان التعب ما خت ايدو علي جبين تربال، انا وانت و النيل والارض والبور مشتت متنسي، أنا خاطري في المطره ريحة الدعاش تنشم، إخضرار الطين حبابو، نلبس الخيران اساور نبني جنب الغيم نجاور، ما تشفقي العطش الرحيل النيل ركيزة و دمعة الاحباب صحاب، يا طالعة من سمعي وطعم شوفتك هيام معقول اتكرفك والبس رذاذ مطرك رهام؟، صرخة بتموت في المزارع، بتطلعي من نفس طورية ضامه الطين .. أسألي الطير قولي ليهو لما يتغيب خريفك، ألقاك في فيضان شرب عرق الغلابة السال جرح، في نخلة طالت للسماء مبتسمة قالت للقمح الحلوة نورت الدروب، لما الغيوم حضنت بعض وخد البروق ملي بالمطر، لا الشبورة لا ريحة الدعاش مشبوبة بي ندك، ليه يا مطر يرحل هطول والليل يطول و الغيم يفوت» وبحكم علائق وعلاقات الشاعر قاسم أبو زيد مع فنون الدراما وهي علاقات وعلائق وثيقة الانتماء فهو مخرج مسرحي متميز وله منجز ثر في هذا المجال، كما له مساهمات متميزة كمخرج في دراما التلفزيون وأنجز أفلاما ومسلسلات وراكم تجارب مهمة في الفيلم الوثائقي و توغل في هذا المجال حد الخلط بين الوثيقة والدراما لينجز دراما وثائقية متميزة، إضافة الى كتاباته المسرحية وحسه العالي بفنون الديكور المسرحي واهتمامات بفن العمارة دراسة وتحليلا، لكل تلك الوشائج الفنية نجد أن الشاعر قاسم ابو زيد له ملمح متميز في قصائده، قصائد قاسم ابو زيد تنتمي الى تلك الغنائية العذبة ولها كثافة ملاحظة في معالجته وبنائه للصور الشعرية فهي صور تنبض بحس درامي عال وله أيضا مزاج فنان تشكيلي هو يبني صوره الشعرية، يقول الاستاذ احمد الطيب زين العابدين في مقدمته لهذا الكتاب الشعري والموسومة ب «نفس شعري عتيق متجدد» ، يقول: «عمل إبداعي رفيع يحتفي بالإبداع من الشعر، مثلا عندما يحتفي بالتشكيل، بناء الصورة وهي تبني الصورة، شئ بارع براءة طفلة فنانة راسمه في اللوحة القماري فيها وجه النيل حزين الضفاف كان لونا أحمر والشدر كان لونو أصفر والجباه عرقا بيضاري حمرة النيل واصفرارو راسمه جوه اللوحة طفلة الفرح في رموشا صفق احتفاء باللون الملفوظ يضمخ الخيال، هذه طرافة تجديد العتيق، حداثة شعر الشعب جربها عن طريق الحداثة الموضوعة في غزلياته السياسية «القدال»، وفي حداثة التيمة كانت أشعار «محمد نجيب» وحداثة الموتيفة في غنائيات قاسم، خرجوا جميعا بلغة الزراع والصناع، لغة الشعب، الى باحات اليوم وموضوع الساعة، اخرجوا لغة الناس من قوالب طابوق الدوبيت المربع، أخرجوا لغة أهل السودان من بداوتها العادية الى رحابة الواقع المعاصر» لأنك معاي وحضورك مرتب برغم المسافة اعتسفت الغياب لانك معاني عشانك بعاني وصولك يرجع شجون الإياب بشيل من حروفك وارصك متاريس أقابل سيولك بدفقة حماس أعنون ظروفك رسائل عديدة وأحول سكونك عواصف شديدة رسائل تحصل شوارع توصل وشوقي المدفق يحاكي النوارس لأنك عظيمة بشيلك عزيمة دروع للهزيمة ونجاد للفوارس كتب الشاعر قاسم ابو زيد في إهدائه لهذا الكتاب الشعري «الى أمي وأبي اللذين علماني كيف اقدم وجعي للآخرين» وهنا يعلن الشاعر قاسم ابو زيد انه يقدم وجعه للاخرين عبر القصيدة، لذلك هي قصيدة تطأ جمرتها وتحاول أن تتجاوز بالسمو الابداعي وجع الشاعر الذي نجده متناثرا في هذه الصور الشعرية «جمر المات في جوفو الحادي ، نضم الطار في جوف درويش ، لمة دقدق فوق الحدبة، أحزان الحي الراقد حاضن النيل، صوت الطفلة الداسه ضفائرها شان العين، سرق عشقك صباحاتي شتيل احساسنا ما فرهد، الدهشة ساساق الدروب لي وين تمش؟ اعقد زفاف اخر ضمير إتباع مقتت بالقرش، ختيتي فوقي الليل والليل سقاني السم، فجي الوجع دمع الالم ما يهددك، أنغام رباباتك تشيل معزوفة الليل والفريق ، يا مطفأة وليلك بلع شمسك دجي وغطى الصباح، هواك اتخت جوه الجوف وانتحر النهار هسه، مرقت على محطات السفر غربة و ما لقيتك امل شارد، دبل الصبر ضاعت كمان، ضلت قوافل الامنية إنشلت قبل حركة لساني الاغنية، الضحكة في الخاطر قبل تمرق تموت، ضلك وراك ما بشبهك طفلك معاك ما بتعرفوا، برغم ذبول نجيماتك سماك معقول، لا شبورة لا ريحة الدعاش مشبوبة في ندك و لا ضو صوت» وهكذا من «دمعات وجع طول» يرسم الشاعر قاسم ابو زيد «لوحة وطن في عيون طفلة» هي لوحة تضج فيها هذه العوالم «افراح فريق، أحزان حلال، إحساس أطفال بيوم العيد، صوت افريقيا، تلال الخد، خيوط الالفة، جبيرة وجد، تيار الظلام، مواعيد عشق، مقاديف شوق، رجوع طيور غايبات، إمتداد الروح، عطش النيل، مسامات الضياع، وتر التراخي، نجامة التعب الكعب، هدير البر، عمق البراحات، الطير الموجع، مساحات الآسي، صدق الرؤية، دروع للهزيمة، الزمن التتار، زفة نفس مسدار، حنين الذات، مسامع الليل، خد البروق، لمات البنات، الحاصل المسلول، زيف العشق، صدى الغنوات» في كتابة الشعري الأول «لوحة وطن في عيو ن طفلة» يبني قاسم أبو زيد بالدهشة قصور الكلمة أسألي الطير قولي ليهو لم يتغيب خريفك بتحتو ريشك شان تعيش؟ ولا بتموت بره جلدك؟ ولا بتغني المواويل للرذاذ؟ أسأليهو لما يغرق في غناهو أساليهو أنا يا حبيب ضيعت نورين إخضرار قمري الشرد وإشتعال شمسي البرد ودبل الصبر ضاعت كمان ما الضلام غير ملامح ناس عزاز شكرا للشاعر قاسم أبو زيد و هو يرثي تلك الضحكة التي في الخاطر وال «قبل تمرق تموت»، شكرا له و هو يستجدي ضحكة الشمس كي تتنفس الوردة.