إذن؛ هذه هي الرنك، وهذه هي الصورة التي جسدت تلاحماً وانتماءً لهذا الوطن الكبير، فالرنك التي وصلها الرئيس البشير لافتتاح شبكة الكهرباء التي ستربط الجنوب بالخط القومي، وفق ما صرح به المسؤولون؛ هتفت هي الأخرى للبشير وللوطن أيضاً، وحدة وبقاء. إذن هي ذات الصورة التي كانت في رمبيك، وواراب، وواو، فتلك الحاجَّة التي كانت تشق الصفوف بصعوبة وقد تجاوزت الخمسين من العمر بعام أو عامين؛ كانت تهتف باسم الوطن، وباسم الرئيس (البشير وياي)، ففي الرنك كان الشعب حاضراً، بل الآلاف من الجماهير خرجت مشاركة في ذلك الاحتفال الآلاف من المواطنين وقفوا على طول الخط يهتفون باسم الوحدة، ولكن ماذا حدث؟ كان هناك مشروعان متصارعان، ففي ساحة الاحتفال التي علق عليها أنصار البشير أعلام وشعارات حملته الانتخابية؛ دخلت اللجنة المنظمة للاحتفال في صراع وخلافات، ففي حين تمسك أنصار البشير بحقهم في إبقاء تلك الشعارات، كان الطرف الآخر، أي الحركة الشعبية والممثلة في معتمد الرنك الذي هو رئيس اللجنة المنظمة؛ يرى أن الاحتفال مخصص لافتتاح شبكة الكهرباء، وليس معنياً بتدشين حملة الرئيس الانتخابية، وهذا ما دفعه إلى توجيه أعضاء اللجنة بإنزال تلك الشعارات واللافتات التي تحمل صور البشير، وترك أعلام السودان، هي خلافات كادت أن تفسد طعم الاحتفال قبل وصول الرئيس، ويبدو أن هنالك خللاً في تنسيق اللجان المنظمة للاحتفال، أي لجنة الحركة الشعبية الممثلة في السلطات التنفيذية لمقاطعة الرنك، ولجنة المؤتمر الوطني. خاطب الرئيس البشير جماهير الرنك التي خرجت لاستقباله؛ من أمام ميدان الحرية، ومن أمام محطة الكهرباء، قائلاً: أتينا إلى هنا كي نحتفل معكم بهذا الحدث الكبير، وهو إدخال الكهرباء القومية إلى مدن الجنوب عن طريق الرنك. وأشار البشير إلى أن عدداً من الناس لم يصدقوا عندما أعلن مشروع إدخال مدينة الرنك إلى الشبكة القومية. وقال: لكن يتذكر الناس صندوق إعمار الجنوب الذي شيد الكثير من المرافق الحيوية بأعالي النيل، ومن بينها مطار (فُلج)، وعدداً من المرافق الصحية والتعليمية والطرق. مبيناً أن العمل قد بدأ في الطريق الذي يربط الرنكبالخرطوم وبورتسودان. وكشف البشير أن محطة الكهرباء التي تم تدشينها بطاقة (120) ميقاواط والتي بلغت تكلفتها (400) مليون جنيه، ستغطي عدداً من مدن الجنوب. وقال إن حاجة الرنك من الكهرباء (5) ميقاواط، أما الباقي فسيذهب إلى الجنوب. وشدد البشير على ضرورة التمسك بالسلام والوحدة والاستقرار، ودعا المواطنين للعمل من أجل الوحدة. وقال: حتى إذا - لا قدر الله - اختار الجنوب الانفصال؛ ستكون الرنك نواة للوحدة، من واقع التداخل القبلي والوجود الإسلامي والمسيحي بها. وتعهد بإحياء المشاريع الزراعية في الرنك وتحويلها للعمل بالكهرباء. وقال البشير إنه لاحظ خلال تحليق الطائرة توقف كل المشاريع الزراعية بالرنك، وأضاف: نريد سودان الأمن والعدالة الذي يعطي كل شخص حقه. وقال: عندما بدأنا تعمير الجنوب تساءل الكثيرون عن كيف نعمره وهو ذاهب للانفصال؟ وأردف: والانفصال لا يفصلنا، وسنظل مع بعضنا البعض. وأعلن استمرار كافة صلاحيات وامتيازات الجنوب حال اختيار الوحدة، وقيام حكومة الجنوب المنتخبة من كل ولايات الإقليم. وأكد البشير أن الحكومة ستظل تدعم أهل الجنوب في حالة الانفصال بالتنسيق مع حكومة الجنوب. وقال إن أهل الرنك يمثلون سوداناً مصغراً، فيجب أن يحافظوا على وحدتهم. أما في كوستي؛ التي وصل إليها البشير في إطار تدشين حملته الانتخابية، قادماً من الرنك؛ فخاطب الآلاف من جماهيرها، وجدد البشير تمسكهم بشرع الله وقال: ليس هناك تفريط في الشريعة وكرامة وعزة واستقلال السودان. وأضاف: إن الذين يريدون نشر الرذيلة والخمور والمخدرات بين الشباب لا سبيل لهم لذلك. وقال (سنديهم دواهم، وليس في منهجنا تبديل أو تغيير). وأعلن البشير لجماهير كوستي عن تدفق البترول من آبار النيل الأبيض قريباً، مجدداً التزامهم بإعادة الحياة لكافة مشاريع النيل الأبيض عن طريق الكهرباء لتقليل التكلفة وزيادة الإنتاجية. وأضاف: سنغطي النيل الأبيض من جودة إلى الخرطوم بالكهرباء، وسنستمر في توسيع الخدمات، وكل مواطن سيشرب في كوستي والجبلين والريف مياهاً نظيفة. ودعا للاحتفال بمرور (100) عام على إنشاء مدينة كوستي، واعتبرها نموذجاً لانصهار الشعب بعيداً عن القبلية والطائفية والجهوية، وتعهد البشير بمعالجة كل قضايا الولاية، وأعرب عن أمله في أن يمثل كوستي فريق كرة قدم في الدوري الممتاز، واعتبر البشير وقفة أهل كوستي رسالة لكل من يحاولون الإساءة إلى السودان وسمعته ويروجون أن به كبتاً للحريات وتكميماً للأفواه. ودعاهم لسماع أهل النيل الأبيض، وقال (إن ما يورم فشفاش أعداء السودان ويوجعهم أنهم كلما يحاولون محاصرة السودان والضغط عليه يجدون رأس الشعب مرفوعاً لا يركع لغير الله)، وأضاف: نقول لدعاة التحول الديمقراطي والتبادل السلمي مرحباً، ولنرجع للشعب السوداني ليقول كلمته عبر الانتخابات. ووصف الشعب بالواعي والمثقف، وأنه يميز بين (الكويس والبطّال). إذن هذه هي كوستي، وهذه هي الصورة، وما بين الرنكوكوستي هتف الناس للسودان، وهتف رياك قاي للوحدة: (لا شمال بلا جنوب، ولا جنوب بلا شمال)، هكذا كان نداء قاي، وهكذا كان نداء الوطن.