يوماً على صدر يوم وأعشق عمري لأني إذا مِتُّ، أخجل من دمع أمي!» - محمود درويش في عيد الأم نحني هاماتنا احتراماً، ونُقبِّل الأيادي الطاهرات تبتُّلاً، ونرسل الأمنيات الصادقات، من عمق الأعماق الدفينة، إلى العلي القدير أن يمتّعها بالصحة والعافية، ويطيل عمرها النافع ويبارك فيه، ونسعى جهدنا، فيما تبقى من أيام حياتنا الفانية لنرد لها ولو قليل من عطائها الممتد طوال سنوات العمر الذي لو ظللتُ أعمل ليل نهار مما تبقى منه لن أستطع أن أرد لها ولو جزءاً يسيراً مما بذلت وأوفت وأجزلت من عطاء نبيل وصادق. إنها سيدة من غمار الناس، لكن قامتها ترتفع طولاً، يفوق قياساتنا القزمة البائسة، بعطائها ومحبتها ونبلها وبساطتها وعمقها واستعدادها اللا محدود لخدمة الناس، وبما تمتلك من طاقة هائلة من الحب تمنحه لمن ترى أنهم يستحقونه، امرأة جديرة بالاحترام والتقدير والحب لأنها تستحق بما بذلت وأعطت ولم تأخذ شيئاً.. بل ولم ولن ترغب في نيل مقابل لما أعطت. المرأة التي أرضعتني حب المحنَّة والمعرفة والناس، وحملتني وهناً على وهنٍ، ورعتني بحب صادق وأكيد، وعناية نابعة من دواخلها النقية نقاء مياه الرمال الناعمة، وإلفة أصيلة، ووعي سديد، منذ الطفولة الأولى إلى أن صرت أباً لأطفال ترعاهم بمحبة تفوق حبي لهم، ظلت هكذا تعطي بجزالة مديدة وما بدلت تبديلاً. الأم ينبوع الحنان الصافي، وماء الإلفة بالغ العذوبة، وشجرة المحبة الظليلة في هجير الحياة، والحضن الدافئ في زمهرير الأيام القاسية، والخضرة النضرة في صحراء العدم، وزهرة ندية في ساحة الخرائب الكونية، ومسرجة في وجه الريح، وكل ما يحيل إلى الجمال والحنين والحب والإرادة والصلابة والشجن الجميل، في عيدها الاستثنائي نهديها باقات من زهر الوفاء والمحبة والحنين. وفي يوم الوفاء لمن تستحق الوفاء «حواء بت عبد الرحمن يونس» لم أجد أعمق مما جادت به قريحة أمير شعراء العرب في العصر الحديث محمود درويش في رائعته «أحِنُّ إلى خبز أمي» التي حملها صوت الفنان المبدع مارسيل خليفة، تعبيراً خالصاً عن رد الجزء اليسير من عطائك الجزيل وعطاء سائر الأمهات أطال الله أعمارهن جميعاً: «هرمتُ، فردّي نجوم الطفولة حتى أشارك صغار العصافير درب الرجوع... لعشّ انتظارك».