بحالة أشبه بالإنقلاب بين الحكومة والمنظمات الدولية لمراقبة الإنتخابات السودانية، يدخل المشهد الإنتخابي مرحلة من الغليان تُلمِّح نُذره إلى أنه يحمل بين ثناياه ما يشبه المعركة قبيل انطلاقة عمليّة التصويت ونتائجها المرتقب إحداثها لاختلالات على الساحة السياسية السودانية، فبعد ترحيب مُعلن من قِبل الحكومة بالرقابة الدولية لضمان نزاهة وحيادية العملية بحسب ما أكدته في أكثر من موقع، فإذا برئيس الجمهورية المشير عمر البشير يُعلن وبحالة غضب من عروس البحر الأحمر بورتسودان تهديده بطرد مراقبي الإنتخابات الدوليين والمسؤولين الأجانب حال مطالبتهم بتأجيل الإنتخابات الرئاسية والتشريعية بالبلاد. ولكن يبقى التساؤل: أليست هي ذات الحكومة التي وافقت لمؤسسة كارتر التي أسسها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر على مراقبة العملية الإنتخابية في السودان وسمحت للإتحاد الأوروبي بإرسال بعثة تجاوز عدد أفرادها ال(130) مراقباً شرعوا في تنفيذ مهمتهم على الأرض؟ مركز كارتر كان قد أعلن في تقرير أثار حفيظة الحكومة (المفوضية القومية للإنتخابات) خلال الأيام الماضية أن المركز لاحظ وجود (تأخير وتغيير في الإجراءات المتعلقة بمكاتب الإقتراع) الأمر الذي قد يدفع إلى (إرجاء قصير) لموعد الإنتخابات ليصبح في 13 من أبريل بدلاً عن الحادي عشر منه، ليخرج ذراع الحكومة ويلوِّح بالرفض والتقليل من شأن التقرير على لسان نائب رئيس المفوّضية بروفيسور عبد الله أحمد عبدالله بأن المركز اعتمد في تقريره على معلومات من خارج المفوضية، وأنه تجاوز الصلاحيات واستند على معلومات خاطئة، ولم يرجع التقرير في مجال المعلومات للمفوضية ما دفع الأخيرة لتشكيل لجنة من بعض أعضائها لإخضاع تقرير كارتر لمزيد من الدراسة، ولكن يبدو أن الحكومة استعجلت الرد على التقرير وأغلقت الباب على المفوضية بعد أن أرسل رئيس الجمهورية المشير البشير تهديده الذي يوحي بأنه في حِلٍ عن رد الجهة التي تم (تعيينها) لمتابعة شأن الإنتخابات وقال البشير (أحضرنا هذه المنظمات من الخارج لمراقبة الإنتخابات لكن إذا طالبت بتأجيلها، فإننا سنطردها)!. { تقرير التجاوز والمخالفات أصدر موظفون في مركز كارتر الذي أسسه الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر تقريراً قالوا فيه إن الإنتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في أبريل تظل (في خطر على عدة جبهات) وأن (السودان قد يجد نفسه مضطراً إلى تأجيل العملية بسبب مشكلات لوجيستية علماً بأن مئات الآلاف من الأسماء غير متضمنة في اللوائح أو السجل الإنتخابي حتى قبل إجراء الإنتخابات بأسابيع)!، ودعا مركز كارتر الحكومة إلى رفع الإجراءات الصارمة على عقد التجمعات الإنتخابية وإنهاء القتال في دارفور قبل حلول موعد الإنتخابات، في حين أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش الأمريكية إلى حصول (أعمال قمع) وأن المناخ السياسي حالياً غير ملائم لإجراء إنتخابات (حرة ونزيهة). وترى الحكومة وبحسب المفوضة أن هذه الجِهات يجب أن تلتزم دوراً معيناً لا تتجاوزه، وهو الملاحظة والمتابعة وإصدار تقارير عن العملية الإنتخابية، ترصد مدى دقتها ونزاهتها، ومِن ثمّ تشير إلى أي خروقات أو جوانب تدليس أو عدم نزاهة أو تزوير، ولكن بحسب مراقبين للإنتخابات فإن هذا النوع من الإشراف لا يمس السيادة الوطنية بحالٍ من الأحوال ، لو كانت هذه الجِهات لا تمثل دولاً، وإنما منظمات دولية أو جمعيات تابِعة للمجتمع المدني وهي محايِدة إلى حدٍ كبير وهناك من يرى أن ممارسات عديدة لملاحظة أو متابعة الإنتخابات تقوم بها المنظمة الأوروبية لمراقبة الإنتخابات في دول عديدة. { المعارضة .. تجارب طرد المنظمات القوى السياسية المعارضة التي طالبت بتأجيل الإنتخابات أكثر من مرة، بدت على عكس الموقف الحكومي ووجدت فرصتها في الحكومة وبعثت لها بالاتهامات التي ظلت تجترها من حين لآخر بأن الحكومة وبوجودها في الحكم لا يمكنها أن تأتي بإنتخابات حرة ونزيهة ووصفتها بأنها حجة واهية وأن أغلب من يقولون بأن الإشراف أو الرقابة الدولية على الإنتخابات انتِقاصاً من سيادة الدولة يخشون ما ستكشف عنه نتيجة الإنتخابات العامة إذا ما أُجريت تحت إشراف دولي، ومن يعتزم إجراء إنتخابات حرة ونزيهة ولا يخطط لتزويرها وتزيِيف إرادة الناخبين، لا يخشى من إجرائها تحت رقابة دولية من أي نوع ، وأجمع عدد من قيادات القوى السياسية على أن العديد من الدول الكبرى في أوروبا، فضلاً عن الولاياتالمتحدة ، تسمح بوجود رقابة دولية على إنتخاباتها ولا تعتبر أن هذا الإشراف انتقاصاً من سيادتها أو تدخلاً في شؤونها الداخلية. ودفع الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر في حديثه ل(الأهرام اليوم) أمس بمخاوف واستنكار للتهديدات التي أطلقها الرئيس البشير ووصفها بالمؤشر الخطير وغير الموفق لضمان عدم قيام انتخابات حرة ونزيهة وبدت عبارات الرجل تأخذ طريقها نحو تهديد جديد لطالما دافع حزبه عن عدم اللجوء إليه وهو خيار تأجيل الإنتخابات، عندها قالها صراحة بأن طرد المنظمات بمثابة دافع لحزب المؤتمر الشعبي لمقاطعة الإنتخابات ، واعتبر الرجل أن البشير مرشح مثله مثل أي مرشح آخر وليس لديه السلطة في طرد المنظمات المراقبة ، إلا أنه استدرك قائلاً (صحيح أن البشير لديه سلطة رئيس الجمهورية، ولكن الأمر من حق المفوضية القومية للإنتخابات) ، وتوقع كمال عمر أن ينفذ الرئيس قرار طرد المنظمات لكون أن لديه تاريخ سابق مع الطرد حينما قام بطرد منظمات الإغاثة العاملة بدارفور ووصفها بأنها نهاية للإنتخابات قبل قيامها . { رقابة على رؤية الوطني وذهب عميد كلية العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري د.إبراهيم ميرغني في حديثه ل(الأهرام اليوم) إلى أنه من غير المبرر أن تجاهر الحكومة وتهدِّد بطرد المراقبين الأجانب الذين وافقت على مشاركتهم في وقت سابق لمراقبة العملية الإنتخابية لمجرد توصلهم لرؤية من واقع عمل بضرورة تأجيل الإنتخابات وعدم ملاءمة الأجواء وأنها غير مناسبة لقيام العملية في التوقيت المضروب مسبقاً، واعتبر ميرغني أن طلب كارتر لا يعني أنه تدخل في الشأن السوداني والانتخابات بقدر ما أنه جزء من مهمة المراقبة سواءً جاء التقرير من مركز كارتر أو أي جهة أخرى مسؤولة عن المراقبة، وتساءل ميرغني لماذا سمحت الحكومة إذن لتلك المنظمات بالمراقبة دون أن تستمع لرأيهم وتتبع ملاحظاتهم وتقبل وجهات نظرهم أم تريد الحكومة أن تكون المراقبة تستمع لرؤية وتوجيه المؤتمر الوطني.