{ لماذا - دائماً - قلوبنا ومشاعرنا وسنوات أعمارنا هي أرخص ما يمكن أن يُلقَى به من السفينة إنقاذاً لسفينتهم من الغرق؟!! { لم تنجبها أمها في زمن الجاهلية، ولم تدفن بيد والدها حيّة، ولم يخجل أخوها من انتمائها إليه، ولكن رجلاً آخر اقتحم حياتها يوماً، وحملها إلى مكامن للألم؛ اغتالت براءتها، ورومانسيتها، وكلما جالت بها الآن عبر ذاكرتها؛ دفنت وجهها بين كفيها، وخُيِّل إليها أنه وارى إنسانيتها الثرى «فبأي ذنبٍ قُتلت»؟! { دخل عالمها، تعرف إليها، عشقته، تقدم لخطبتها، تزوجها، أسكنها أفخم المنازل، بذل لها العطايا والهدايا، منحها سعادة مطلقة، أنجب منها أطفالاً رائعين، وانتقى معها أسماءهم، ذهب معها إلى السوق، والأفراح، والملاهي، والمقاهي. كبر الأبناء، وتخرجوا من الجامعات، وتزوجوا، وأنجبوا، واستوطن الثلج الأبيض شعرها، وما زال هذا الرجل يبيعها كل هذه الوعود الزائفة، والأحلام الوردية، ولا زالت هي تنتظره بمنتهى الإخلاص، فكل عطاياه لم تتجاوز لسانه، «فبأي ذنبٍ قُتلت»؟!! { أحبت قرويته الساذجة كثيراً، جنَّت ببراءته وشهامته، حلمت بالعيش معه على الكفاف، هامت بفطرته وعفويته، وتنازلت عن كل شيء من أجل عينيه. أتى المدينة وحيداً شريداً فاحتوته، وعاونته على أيامه العصيبة، وطمأنت مخاوفه، مهدت له سبل الارتقاء؛ فصعد سلَّم المجد على عجل، وذاع صيته، وكثر ماله، واحتشد الناس والنساء من حوله، ولم يعد يجيب على هاتفها أبداً، «فبأي ذنبٍ قُتلت»؟! { أنثى عاشقة بجنون، غيورة إلى حدِّ البكاء، تستند إلى باب مغلق بإحكام، وخلف الباب عاشقان، أحدهما حبيبها، وبصحبته صديقة عمرها، تتسلل أصواتهما، وضحكاتهما، وهمساتهما إليها، تضع يديها على أذنيها؛ حتى لا تسمع صوت الخيانة، لا تقوى على الحركة، تخذلها قواها، ويخذلها ضعفها وهوانها، وحبها له، تخشى أن تخسره، لدرجة أنها قد تتغاضى عن هذه الكارثة، تجرجر قدميها بهدوء حتى لا ينتبها لعودتها مبكراً، تخرج من منزل الزوجية إلى المجهول والنار تأكلها، «فبأي ذنبٍ قتلت»؟! تلويح: أحياناً نتعمد أن نستر أحزاننا، كما نستر عوراتنا؛ لأن بعض الأحزان عورة!