٭ أتابع من فترة لأخرى برنامج «البعد الثالث»، وهو برنامج يُعرض على شاشة قناة ساهور الفضائية، ويقدمه صاحب «أطروحة ساهور» نفسه، الأستاذ عبد الله الطاهر، وأقل الملاحظات التي يمكن أن تقال عن هذا البرنامج؛ إنه يجرِّد «المعاني من المباني»، ويقدم الشكل بمعزل عن المضمون، وأنا بهذا لا أقدم ذماً للبرنامج، ولا أنتقص من قدره، بمعنى أن الجهة التي تعد وتقدم هذا البرنامج؛ ليست من السذاجة والجهل، بمكان، ليفوت عليها هذا الأدب التجريدي، ولكنها تقصد ذلك، وهي الثقافة التي نهضت عليها «فكرة ساهور»، تقديم «الدين الشكل والمكان»، على ألا تستغرق البرامج في أدب المضمون. ويمكن أن أقدم بين يدي زعمي هذا حزمة شواهد، لكن دعوني أبدأ ببرنامج «البعد الثالث»، وهو أفضل مثال لهذا التجريد، تقديم المكان المقدَّس بعد تجريده من قدسية المضمون، فلقد دخلت منذ أيام مع الأستاذ عبد الله الطاهر إلى «مسجد القبلتين» بالمدينةالمنورة، على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم، وذكر الأستاذ الطاهر في هذه الحلقة كل شيء يتعلق بهذا المسجد، إلا الآية الكريمة التي نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو قائم يصلي في محراب هذا المسجد، وهي الآية التي حولت قبلة الأمة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام بمكة المكرمة «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ».. الآية الكريمة. ولو طُلب من أي جهة أن تتحدث عن مسجد القبلتين؛ لجعلت من هذه الآية محوراً لبحثها وأحاديثها. وشاهد آخر على «فكرة تجريد المواقع المقدسة من القرآن الكريم»، فلقد تابعت حلقة أخرى من برنامج «البعد الثالث» يتحدث فيها صاحب القناة عن مسجد قباء، وأصدقكم القول إن الأستاذ عبد الله الطاهر قد تحدث عن كل شيء يتعلق بهذا المسجد المبارك، إلا الآية الكريمة التي نزلت في هذا السياق، وهي قول الحق تبارك وتعالى «أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ». ٭ لكنني في المقابل لا أستطيع الزعم بأن الرجل لا يعرف الطريق إلى الاستدلال بهذه الآيات وبالقرآن الكريم عموماً، ولكن هذا البرنامج يأتي في سياق الثقافة الكلية التي تذهب إلى «التماس البركة» في الأمكنة المقدسة وليس في الآيات المقدسة والأحاديث المشرفة. ٭ إن شئتم المزيد من الاستيثاق في هذا السياق فبإمكانكم أن تتأملوا أكثر في المدائح التي يؤلفها «الشيخ خالد المصطفى»، هكذا يُذكر، وهو المؤلف المحور، لقصائد ساهور، فكل هذه القصائد تذهب إلى امتداح «وصف الرسول» صلى الله عليه وسلم، أو وصف شكل المدينةالمنورة، وقلَّ أن تذهب هذه القصائد إلى إبراز القيم التي جاء بها صلى الله عليه وسلم، وعلى حسب علمي ومعرفتي أنه صلى الله عليه وسلم قد بعث بالقيم والأخلاق، لقوله صلى الله عليه وسلم «إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق». ٭ وأرجو من الذين يقرأون بتطرف ألا يذهبوا في الطريق الخطأ، على أن «ابن الصائم» عليه من الله الرحمة والمغفرة والرضوان، لا يفتأ «ينتقد هذه القناة»، ولكننا كما نكتب عن فضائيتنا السودانية، والنيل الأزرق وطيبة والجزيرة والشروق؛ نكتب أيضاً ملاحظتنا عن قناة ساهور، وذلك لأجل المزيد من التجويد، فالنقد أدب عربي معروف يسعى للإصلاح والتجويد، وتكون الصورة مكتملة لو جمعت ساهور بين «الشكل والمضمون»، بين «المباني والمعاني»، وأن يقبل الإخوة الكرام بصدر رحب كل الملاحظات التي ترد في الصحف، وقناة تزعم أنها أسست من أول يوم «لمحبة الرسول» صلى الله عليه وسلم؛ أحق أن تتبع الهدى. والله أعلم