لا شك أن الطب من العوالم التي ليست بالسهل على الإخوة ورفقاء الدرب في المهن الأخرى ولوجها.. وليست من السهولة بمكان بالتالي على الصحافيين والإعلاميين التقصي حول أحوال الأطباء في بيئة عملهم وبيئة سكنهم وأحوالهم الاجتماعية من تأخر عملية الزواج الذي أصبح متوسط العمر فيه لجموع الأطباء لا يقل عن (35) عاماً.. وجميعكم تعلمون الخطأ التراكمي المتعلق بدخول أوائل الفصول في المدارس والمتفوقين من الجنسين لهذا المجال بشكل انجرافي أدى لحالة تكدُّس لأصحاب الآمال الكبيرة والأحلام الوردية والذين يتوقع لهم أهلهم مستقبلاً زاهراً بحكم التفوق التاريخي على مستوى ولاياتهم في هذا المجال الذي ضاق بهم ذرعاً وضاقوا به عشرات ما فعل بهم. والناظر اليوم يجد أن أوائل الدفعات في الماضي أصبحوا أسوأ حالاً من المتأخرين والذين يلونهم وهذا ليس تقليلاً من بقية زملائهم في المهن الأخرى ولكن سُنة الحياة اقتضت منافسة شريفة في كل المستويات أكدت وأثبتت كفاءة المتقدمين لهذا المجال الذي أصبح مقبرة للأحلام. أقدم لكم مشاهدات قلمية لوضع زملائي في هذا البلد الجميل، رغم تقدم البلاد في كثير من المجالات وتحسُّن الوضع العام، إلا أن وضع الطبيب ظل في تقهقر دائم وتردٍ كبير. على سبيل المثال أصبحت (ميزات) الأطباء الأكثر سوءاً من داخليات الطلاب التي يديرها صندوق دعم الطلاب لأنه يقوم بمسؤولياته تجاهها ومعلومة التبعية وواضحة، مما حدا بنا وبعض زملائي الكرام أن نسكن في داخليات جامعاتنا فراراً من الظروف الاستثنائية (بالميزات) وهذا ما نشهد الله عليه. كما نجد أن استراحات المستشفيات في كثير من الأحيان أسوأ من عنابر المرضى.. والرواتب هي من أقل ما يدفع لمخدم في الدولة مع اعتبار أن وظيفة الطبيب ومهنته استثنائية جداً وخاصة وبها ما بها من أسرار وقسم، والذين يشبهوننا فقط هم القضاة والذين يتقاضون هيكلاً راتبياً خاصاً يصل الملايين للخصوصية ولكنني لا أستطيع المطالبة بتلك الزيادة الكبيرة في أعداد الأطباء مما يتطلب حلاً آخر، دون الزيادة ودون القبول بهذا الراتب الذي أدى لتشريد المميزين من الأطباء عبر هجرات كثيفة..!! أعتقد أن غياب التقييم المستمر والسمنارات المفتوحة وورش العمل بين وزارة الصحة والتعليم العالي ونقابة الأطباء لهو أهم أسباب هذا التراكم والتضخم.. والأكثر مسؤولية حقيقة هي نقابة الأطباء واتحاد الأطباء باعتبارهما المطالب الشرعي. لا ينكر تدني وسوء وضع الطبيب في السودان إلا مكابر. وهذا يستدعي حلولاً متكاملة وأوراق علمية بغية الخروج من هذا النفق المظلم وهذا يتطلب كفاءة الأجسام القائمة وسلامتها من الأمراض المعقدة التي أخرتها عن القيام بدورها وأولها الاعتراف بالفراغ الذي أدى للأزمة السابقة التي أرهقت الطبيب والمريض. أقترح على الجهات العليا التي اهتمت بملف الأطباء وعلى رأسهم ب. غندور رئيس نقابات عمال السودان الذي تدخّل وساهم بقدر كبير في الحل والشعور الطيب من الدولة ممثلة في القيادة العليا من الأستاذ الشيخ علي عثمان، الذي وعد بإصلاح حال الأطباء بأن يتولوا أمر هذا الملف الحساس وهذا الجزء من الرعية حتى لا يتركوهم يتسابقون للهجرة ولا يتركوهم ليصطادهم (الباعة المتجولون) في سوق السياسة الهدامة من تنظيمات الشتات التي تصطاد من خلال المطالب العادلة لتركب عليها وقطع الطريق أمامهم ليسلم الأطباء وتسلم بلادي وتعود الصحة والطبيب لمقدمة الركب، وما أكثر الحلول عندما يتطلع لها اللبيب وما أكثرها عندما يتبنى الحل المهتمون والأصفياء والأنقياء. وأنت يا حادي حركة الإسلام مسؤول أمامنا وأمام الله من هذه الذلات أعانك الله لخدمة البلاد والعباد. ٭ رئيس لجنة أطباء الإمتياز