في الطابق الخامس لقاعة الصداقة الدولية وضعت مفوضية الانتخابات السودانية صندوقاً للاقتراع وأحكمت أقفاله بأرقام خاصة قبل أن يشرع مختار الأصم في الحديث بالتفصيل عن عملية المضاهاة والمطابقة قبل أن تبدأ عبارات الانفعال واضحة في رد عملي أراد من خلاله أن يفند دعاوى التزوير وعدم النزاهة للعملية الانتخابية والاتهامات التي أطلقتها بعض الأحزاب السياسية المعارضة وهي تطالب من جماهيرها مقاطعة عملية التصويت التي تبدأ عند الساعة الثامنة من صباح اليوم «الأحد» في كل أرجاء البلاد التي تقبل على عملية تحول ديمقراطي توصف بالناقصة منذ أن استولت الإنقاذ على مقاليد الحكم في السودان ضاعت من خلاله معاني التحوُّل السلمي للسلطة. في مقابل ذلك يوجّه المؤتمر الوطني وأحزاب سياسية معارضة أخرى نداءً للمواطنين بممارسة حقهم الدستوري في التصويت للمرشحين الذين تطلق عليهم صفة (القوي الأمين). ويبدو أن تطمينات حكومة الخرطوم المحلولة لم تجد آذاناً صاغية لدى المواطنين وهم يتوجهون إلى الميناء البري ليقضون إجازة سعيدة مع ذويهم بعيداً عن ضجيج الانتخابات وما يسفر عنها لنفوس صارت غير مطمئنة لتقلبات الأحوال السياسية. في الوقت الذي أكدت فيه السلطات الأمنية هدوء الأحوال ورفعت تقاريرها الخاصة بذلك وإن تحسّبت للطوارئ أو دخول قوات العدل والمساواة لمدن دارفور وكردفان المجاورة لها لترسل رسالة للعالم بأن لا تنسوا قضيتنا الإنسانية في ظل انتخابكم القادم للقصر الجمهوري. وجاءت الدعوة للناخبين من رئيس المفوضية أبيل ألير بممارسة حقهم المنصوص عليه وفقاً لقانون الانتخابات، وذلك خلال مؤتمر صحفي أمس «السبت» بقاعة الصداقة قبل أن يترك فرصة الحديث لنائبه عبد الله أحمد عبد الله الذي وصف يوم أمس بالوقفة التي تسبق العيد من حيث الاطمئنان على التجهيزات لأخطر عملية تحوُّل تمر بالبلاد، وقدم شرحاً للصحفيين القادمين من كل أصقاع الدنيا حول تطورات العملية الانتخابية منذ ترسيم الحدود الجغرافية التي وصل عدد الشكاوى فيها إلى «800» قبلت منها مفوضية الانتخابات «350» شكوى وتعاملت معها وفقاً للحيثيات. ونبّه عبد الله إلى أن وزارة الداخلية استجابت ل«1300» طلب من الأحزاب لممارسة نشاطها السياسي، لافتاً الأنظار إلى أن مفوضية الانتخابات لم تتلقَ أي شكاوي بذلك الخصوص، وقال: «كانت هنالك بعض المضايقات في الجنوب وتمّت تسويتها بالاتصال بالحكومة هنالك وتمّت مخاطبة رئيس الجمهورية البشير ونائبه الأول سلفاكير بذلك الخصوص». وبخصوص المراقبين الخارجين قال عبد الله إن عملية الاقتراع يراقبها «132» مراقباً من مركز جيمي كارتر و«166» من الاتحاد الأوربي و«50» من مركز تحليل السياسة الخارجية البريطاني بالإضافة إلى السفارات الأمريكية والبريطانية والهولندية والكندية والسويسرية والسويدية بالإضافة إلى بعثات الاتحاد الافريقي والإيقاد وجامعة الدولة العربية والمؤتمر الإسلامي وبعثات مراقبة خاصة من بلدان بعينها كمصر واليابان وروسيا والصين والبرازيل وتركيا، وتمّ اعتماد «232» منظمة وطنية ووصل عدد المراقبين المحليين إلى «2287» ينتشرون في كل الولايات. واعترف نائب رئيس المفوضية عبد الله بأنه ليس هنالك انتخابات كاملة ولكنها تمثل السعي الوطني لتكون العتبة الأولى نحو التحوُّل الديمقراطي للسودان. وقدم مختار الأصم سرداً تفصيلياً لعملية الاقتراع التي تبدأ اليوم وتستمر لثلاثة أيام. وتبدأ الخطوة الأولى قبل وصول الناخبين بوجود رؤساء المراكز بالإضافة إلى المرشحين أو وكلائهم وممثلي الأحزاب السياسية والمراقبين طوال الوقت داخل مراكز الاقتراع حيث يتم قلب صندوق الاقتراع للتأكد من أنه فارغ ولا يحتوي على أية أوراق ويتم قفله بواسطة نظام أربطة تحتوي على أرقام لا تتكرر أبداً ولا يوجد رقم آخر مثله في العالم بحسب قول الأصم الذي قال إن وكلاء المرشحين سيدونون الرقم قبل الاقتراع للتأكد من الصندوق بعد الانتهاء من العملية، وأشار الأصم كذلك إلى الخطوة الثانية في نزاهة الانتخابات التي تتمثل في تسلم المركز لبطاقات اقتراع تساوي عدد المسجلين لديها مضافاً إليها نسبة «15%» من أوراق الاقتراع كاحتياطي وتحتوي على أرقام متسلسلة، وتحسب أوراق الاقتراع قبل التصويت لمطابقتها بعد الانتهاء. ونبّه الأصم إلى أنه توجد خدمة اتصال على الرقم «606» لكي يحدد الناخب مركزه، داعياً إياه لحمل أوراقه الثبوتية، وقال إن البطاقة البلاستيكية التي مُنحت للمسجلين لا قيمة لها، كما تضع مراكز الاقتراع حبراً على أحد أصابع اليد للشخص الذي يصوت وبالنسبة للمرأة التي خضّبت يدها بالحناء يتم وضع الحبر الذي يجف بعد «8» ثوانٍ بين أصبعيها. وقال رئيس اللجنة الفنية الجنرال الهادي محمد أحمد، إن الناخبين سيصوتون في «120» ألف صندوق اقتراع جاءت من الصين والدنمارك، وسيدلي الناخب بصوته خلف «53» ألف ستارة اقتراع، وبلغت حمولة المواد الخاصة بعملية الاقتراع «2800» طن تم نقلها بواسطة «250» شاحنة في الجنوب و«11» طائرة مروحية بمعدل «400» رحلة جوية في مقابل «700» شاحنة لولايات الشمال و«5» مروحيات قامت ب«75» رحلة جوية للفاشر ونيالا والجنينة بخلاف «16» رحلة جوية أخرى للشمال، ويبلغ عدد موظفي الاقتراع «106.768» تم تدريبهم لإنجاز هذه المهمة. الأحزاب تستعد: يوم أمس كان المركز العام للمؤتمر الشعبي كخلية نحل يجتهد أصحاب الرمز الانتخابي (الشمس) في إحراز نتائج طيبة تمكنهم من تغيير سياسات المؤتمر الوطني الذي استعد هو الآخر لهذه المعركة الانتخابية، وكان أكثر الأحزاب دعاية للمرشحين الذين دفع بهم في الدوائر الجغرافية والنسبية وقائمة المرأة. وبحسب الإحصائيات التي تحصلت عليها (الأهرام اليوم) فقد بلغت عدد الندوات التي أقامها المؤتمر الشعبي وخاطبها أمينه العام حسن الترابي (8) ندوات داخل ولاية الخرطوم و(12) أخرى في كل من الفاشر وكوستي والجزيرة وكسلا، بخلاف (450) صالون اتصال سياسي بمحليات الخرطوم المختلفة، خلافاً لندوات المرشحين في الولايات. وكذلك قام الحزب الاتحادي برئاسة محمد عثمان الميرغني بجولاته الولائية وخاطب أنصاره في معاقله التي يتوقع منها الفوز ببعض الولايات والدوائر. ويوم أمس كانت المفاجأة بأن ربيكا أرملة رئيس الحركة الشعبية الراحل جون قرنق قد أعلنت دعمها ومساندتها لمرشح المؤتمر الشعبي عبد الله دينق نيال. وفي استطلاع حديث للرأي العام أجراه مركز كومون الإعلامي حول مشاركة الناخبين في العملية الانتخابية، أفاد «86.3%» من جملة المستطلعين بمشاركتهم في الانتخابات، فيما أبان «13.7%» عن مقاطعتهم لها، وذلك بنسبة مشاركة بلغت «68.412» من مشتركي خدمة «المنبر الجوال»، وهي النسبة التي اعتبرها الدكتور محمد محجوب هارون المحلل السياسي المعروف مؤشراً على ضآلة حجم المقاطعة والانسحاب، مبيناً أنه في حال كانت نسبة المستطلعين جيدة التمثيل فإن هذا يعني أن قرار المقاطعة لم يكن موفقاً من قبل قادة الأحزاب أو أن ثقة الناخب في قيادته أضحت ضعيفة جداً بحسب قوله. وقريباً من هذه الفرضية يرى رئيس هيئة الأحزاب السياسية، الدكتور مضوي الترابي، أن أغلب الناخبين من الأجيال الشابة، التي لم تشارك في انتخابات حرة من قبل، وبذلك يوجد عدم اقتناع من قبلهم بعدم جدوى قرارات الأحزاب، مشيراً إلى أن هناك عوامل أخرى غير الانتماء الحزبي تدفع الناخبين للمشاركة في الانتخابات.