أفهم جيداً أن يتحدث مولانا محمد عثمان الميرغني عن الشأن السوداني العام، فللرجل مريدون في كل الأنحاء، فضلاً عن أنه ابن السيد علي الميرغني، وما أدراك ما السيد علي الميرغني، صاحب أكثر (أطيان ودوائر وممتلكات)، وللاتحاديين ضلع كبير في تاريخ السودان، بل إن لم يتصد مولانا الميرغني لقضايا الوطن، فمن لعمري غيره أحق بالحديث. وكذلك أفهم جيداً أن يتحدث الإمام الصادق المهدي عن تشكيل «لوحة السودان القادمة»، أحرز مقاعد أم لم يحرز، شارك أو انسحب، فالرجل الإمام «صاحب كيان» له تاريخ باهظ، وصاحب أكثر مقاعد في التعددية السابقة، بل إن هو أعاد ترتيب أوراقه، ربما يكون صاحب «الأغلبية القادمة». لكن قولوا لي بربكم، باسم من يتحدث السيد فاروق أبو عيسى؟ أعرف أنه يتحدث باسم هذه التجمعات، «التجمع الوطني الديمقراطي»، ثم أخيراً ما عرف باسم «تجمع أحزاب جوبا»، لكن ما زال السؤال قائماً، باسم أي من الأحزاب يتحدث السيد أبو عيسى؟ فأي زعيم من زعماء هذه الأحزاب دخل إلى هذه التجمعات بحزبه، فما هو حزب السيد الزعيم أبو عيسى الذي أهَّله لدخول برلمانات هذه التجمعات! لهذا وذاك، لما انهار «التجمع الديمقراطي» الأول، وذلك بعد خروج حزب الحركة الشعبية ولحاقه بقطار نيفاشا، ومن ثم تفككت أحزاب ذلك التجمع، كان أكبر الخاسرين هو السيد المحامي فاروق أبو عيسى، لأن كل واحد منهم ذهب لحزبه، إلا الرجل الذي هو «بلا حزب» فظل ينفخ في (قربة مقدودة) اسمها «التجمع الوطني الديمقراطي»! ثم لم يهدأ له بال حتى صنع مع آخرين ما عرف أخيراً باسم «تجمع أحزاب جوبا»، ثم منحه هذا التجمع الأخير، بفضل معاونة بعض اليساريين «المتشتتين» داخل الأحزاب الأخرى، منحه حق التحدث باسمه، فاكتسب الرجل، الذي هو بلا أرضية، أرضية هائلة، ولما يذهب الآخرون إلى أحزابهم في «مواسم الانتخابات» والإجازات، فليس للرجل دار حزب يذهب إليها، فيظل ينفخ في هذه (القربة المقدودة) هي الأخرى، فقال الرجل، لا فض فوه، في أحدث تصريح له، إنه يرفض هذه الانتخابات، وإنه سيدعو «أحزاب جوبا» للذهاب إلى جوبا من جديد لتشكيل رأي موحد تجاه هذه العملية الانتخابية، والرجل يدري أو لا يدري أن جوبا في هذه الحالة هي جزء من العمليات الانتخابية، وجوبا هذه المرة على الأقل لن تهزم العملية الانتخابية، ليس ذلك لأجل عيون المؤتمر الوطني، ولكنها ستحافظ على تماسك هذه «العملية التعددية» لتعبر بها جسر «تقرير المصير»، وتقرير المصير هذا هو الذي يرعب كل قبائل اليسار، لأن هؤلاء الرفاق هم «وحدويون» مع وقف التنفيذ لأجل «السودان الجديد»، فإذا ما انكفأ الجنوبيون جنوباً، فإن اليسار سيَتَيتَّم، والجنوبيون يدركون مؤخراً ألا مصلحة لشعبهم في هذا «السودان الجديد» الذي هو بالكاد «مجموعة ثأرات شيوعية تجاه الأحزاب الإسلامية»، تصفية حسابات أيديولوجية، وإن مصلحة شعب الجنوب تكمن في توظيف مال البترول ومال الأصدقاء والمانحين في تنمية الجنوب، فيفترض أن يوظف الجنوب ثروته لأجل تعويض شعبه سنوات الاحتراب، لكن أن يسرق بعضهم أدوار الجنوب وقراراته وحق تقرير وجهته، فهذا ما لم يسمح به الجنوب الكبير. أنا ليس بإمكاني حرمان الآخرين من ممارسة «أحلام اليقظة» والتحدث في كل الفضائيات والمنابر، لكن أظن من المشروع أن نطالب هؤلاء بالتحدث بقدر حجم جماهيرهم، فمن الظلم بمكان أن الذي بلا جماهير هو الذي يستحوذ على كل المنابر، وأصحاب الجماهير و«الأغلبيات» في كل البرلمانات منذ الاستقلال، أقلهم حديثاً. سيكتشف السودانيون يوماً أن كل أزماتهم سببها كوادر الشيوعيين المنتشرين في كل الأحزاب، الرفيقان عرمان وباقان في الحركة، والرفيق عبد الواحد صاحب حركة لا ولن تصالح، ونقد، والبعثيون، وصولاً لحاتم السر المحسوب على اليسار. وللحكاية بقية..