مع شروق شمس كل يوم جديد تحل ببلادنا مصيبة من كبائر المصائب التي يعجز العقل البشري عن تفسيرها، وصارت بلادنا، ولله الحمد، مختبراً لتفريخ مختلف فنون الاحتيال، التي يقف أمامها «إبليس» عاجزاً عن إبداعية «المحتالين» الجدد. وكان من أحدث منتجات مختبراتنا «سوق المواسير» بالفاشر، الذي بلغ سقفه منذ نحو أسبوعين، عندما نفدت حيل المحتالين، وتناسلت سلالات الضحايا، لتتّسع دوائر الفقر والإفقار، على كِبَر سِعاتها، وبلغت الدماء شوارع المدينة أمس الأول (الأحد) بسقوط عشرات الضحايا بين قتيل وجريح، تحت شمس الحكومة الولائية. وحبست مدينة الفاشر (الأحد) أنفاسها على صوت الأعيرة النارية الكثيفة من جهة حي الفاشرجنوب الذي خرجت منه مسيرة الاحتجاج على ضياع أموال المضاربين في السوق الذين تسلحوا بالعصي والحجارة شباباً ونساء ورجالاً، وكانوا بالآلاف يتّجهون صوب منزل والي الولاية «عثمان محمد يوسف كِبر»، بعد أن ألقى المتعاملون في السوق باللائمة على حكومة الولاية؛ لأنهم يرون أنها وفرت الغطاء للسوق، وتوالت ردود الأفعال بعد ما أسموه «استيلاء الحكومة على منقولات وأصول السوق»، وما تلى ذلك خصوصاً التحفُّظ على مديري السوق «آدم إسماعيل» و«موسى صديق»، اللذين يتوليان إدارة «سوق المواسير» لعدة أشهر خلت تحت أعين وسمع السلطات الحكومية، وعندما تعثّرا في سداد الالتزامات المالية أثناء مرحلة الحملات الانتخابية ساورت المتعاملين في السوق الشكوك حول مصير أموالهم، غير أن الطمأنينة أتتهم من والي الولاية «عثمان كبر» الذي زكّى مديري السوق بقوله أمام الأشهاد بأن: «الناس المسؤولين من سوق الرحمة وهو الاسم الحقيقي للسوق هم من أبناء حزب المؤتمر الوطني الخُلّص الأتقياء، وأن السوق سيستمر بعد الانتخابات». ومع إسدال الستار على معارك الانتخابات وغبارها وإعلان النتائج تغيَّرت اللغة وقال والوالي عبر شاشة التلفزيون المحلي عمن أسماهم «الخُلّص الأتقياء» قبل الانتخابات «إن المسؤولين عن سوق المواسير مجرمون ونفذ القبض عليهما وعلى مديري المكاتب الفرعية للسوق.. وعلى المواطنين التوجُّه للنيابة لاسترداد حقوقهم». ونشاط «سوق المواسير» ربوي مباشر؛ إذ على المتعامل على سبيل المثال دفع (5) ملايين من الجنيهات والحصول على إيصال مالي يمتد أجل سداده ل(45) يوماً بمبلغ (9.500) مليون. وهكذا تلقى الباحثون عن الثراء المساكين صفعة قوية بُعيد الانفجار المباشر ل«سوق المواسير» أصبتهم بالدوار وأصابت المتابعين والمحللين بالارتباك الشامل، ليس لأن الوالي «المنتخب» وفّر الغطاء الوافي للمحتالين واللصوص، وغطى وجه الفساد القبيح، بل حتى للمتعاملين مع هذا السوق المشبوه الذي يعرف باسم «دلع» لامع: (سوق الرحمة). والآن لم يبقَ أمام والي شمال كردفان المنتخب من خيار بعد «لحس» كلامه عن «الخُلّص الأتقياء» سوى إيجاد حلول عاجلة للضحايا أو الاستقالة، ولا سبيل آخر أمامه.