تخيلوا معي هذا الموقف، وتأكدوا من أنه قد يحدث في حياة أحدنا في أي يوم، في الطريق المسفلت، والحرارة مرتفعة، والأعصاب مشدودة، والسيارات مكدَّسة ومتلاصقة، والأبواق ترتفع أصواتها في تتابع مزعج، وكل واحد من سائقي العربات غير مستعد لتمرير الآخر، ويبحث عن فرصة للهروب من هذه الضائقة المرورية دون أن يفكر في غيره، وفي أثناء هذا القتال المستميت، من أجل الخلاص من هذه (الزنقة) القاتلة، اصطدمت سيارتان في اتجاهين متعاكسين، وبدأت (الشكلة)، وارتفعت أصوات السباب، ونزل سائقو السيارات وبدأوا في المهاترة وتبادل الاتهامات، و«أنت غلطان»، «لا أنت غلطان»، وازدحم الخلق للفرجة دون أن يحاولوا فك الإشكال، وتطييب النفوس، إلا ما ندر، وتم إخطار «ناس المرور» سريعاً، ليأتوا لرسم الحادث، وتحديد الحيثيات، ومعرفة «الغلطان بالضبط منو» حتى تبدأ بعد ذلك (الشكلة) بصورة قانونية!! وفي غمرة الأحداث، والجدال و(الربكة)، وانتظار الفرج على يد عسكري المرور؛ انتهز أحد ضعاف النفوس الفرصة، وسحب (الموبايل) من السيارة المصدومة، يعني (حرامي ولقي فرصة، وما معروف هو منو)، وتقاطر الشحاذون بأشكالهم وأنواعهم ليستثمروا هذه (اللمة)، واحدة تحمل رضيعاً وتستعطف الناس، وهو في الأصل ليس ابنها، والآخر يدعي الإعاقة وهو أقوى مني ومنك، وبعض الذين أتوا للفرجة يرددون على مسامعهم «الله يدينا ويديك»، والحقيقة أن معظمهم أسوأ حالاً من هؤلاء (الشحاذين المرطِّبين)، ولكنهم مستورون بالتعفف. صاحب السيارة المصدومة ينتهرهم بغضب «ياخي ده وكتو؟». الباعة المتجولون هرعوا لمكان الحادث، يحملون المناديل و(المرايات) والأجهزة الكهربائية وملابس الأطفال والألعاب و،... إلخ. أشياء رخيصة ولكنها غير مضمونة، «وكان اشتريت الحاجة وطلعت خربانة تاني تلقى البيَّاع ده وين؟! مشكلة». وصاحب العربة المصدومة «بقت عليهو ميتة وخراب ديار، عربيتو الاتبشتنت، والموبايل المسروق، وبتاع المرور الاتأخر، وأمو العيانة الداير يلحقا، والسخانة، والناس الملمومة الما عندها شغلة، وهلمجرا». إذن، هذا يبدو سبباً واضحاً لارتفاع معدلات الإصابة بأمراض السكري والضغط والنوبات القلبية، إنها نتيجة حتمية لما نواجهه ونحن نركض في تحديات الحياة، التي بعضها يكون لا لزوم له، فلماذا لا نبادر للتسامح، ونعفي أنفسنا من العصبية والصراخ والخصام والمشاكل والمعاداة بسبب تفاصيل يومية يمكن تجاوزها بقليل من الحكمة والصبر و(طولة البال). ولماذا فقدنا مبادراتنا لإصلاح ذات البين، والعفو عند المقدرة، وتطييب النفوس، «يا جماعة الحاصل شنو؟»، لماذا أصبحنا عدائيين في تعاملاتنا ولا نحتمل أي شيء؟ أفيدوني. أ/إيمان طلحة إلياس قناة النيل الأزرق تلويح: شكراً جميلاً للأستاذة إيمان، على طرحها الحميم والتلقائي لمشاكلنا اليومية، وعلى رسائلها القيمة، رغم مشاغلها الكثيرة في عملها الأساسي كمنتجة تلفزيونية بارزة ومتفانية، وحقيقي «الحاصل شنو»؟!