غيّب الموت يوم (الثلاثاء) الماضي الكاتب الصحفي المصري الساخر محمود السعدني بعد صراع طويل مع المرض طال لسنوات عدة، وولد السعدني بمحافظة المنوفية في 28 فبراير 1928م وعمل بعدد من الصحف والمجلات الصغيرة ثم انتقل إلى مجلة (الكشكول) التي كان يصدرها مأمون الشناوي وتتلمذ على يديه وعمل بعدها في جريدة (المصري) الصادرة عن حزب الوفد وانتقل بعدها إلى بدار الهلال. وشارك السعدني الذي عُرف على نطاق واسع ب(الولد الشقي) في تحرير وتأسيس عدد كبير من الصحف والمجلات العربية في مصر وخارجها وترأس تحرير مجلة (صباح الخير) في سنوات الستينات ورفع توزيعها إلى معدلات غير مسبوقة، كما شارك في الحياة السياسية بفاعلية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر وسُجن بتهمة غير محددة. وذكر السعدني ذات مرة واصفاً دوره السياسي في عهد عبد الناصر: «إذا كان محمد حسنين هيكل هو سفير عبد الناصر للدوائر السياسية العالمية، فقد كنت سفيراً لعبد الناصر لدى الشعب المصري في الداخل»، وهذه المقولة توضح حجم دور السعدني في مصر بتلك الفترة؛ إذ كان صاحب شهرة ونفوذ كبيرين، حتى أن بريد قرائه كان الأضخم بين جميع الكُتّاب العرب في ذاك الزمان. وأصدر وترأس تحرير مجلة (23 يوليو) في منفاه في لندن، في عهد السادات، وقد حققت المجلة معدلات توزيع مرتفعة في العالم العربي. وعاد السعدني إلى مصر من منفاه الاختياري عام 1982م بعد اغتيال السادات واستقبله الرئيس مبارك، وربطته صلات قوية بعدد من الحكام العرب مثل معمر القذافي وصدام حسين. وقد عانى الفقيد من عدة أزمات صحية أجبرته على اعتزال الكتابة والحياة العامة في 2006م وظل الفقيد تحت العلاج حتى وافته المنية يوم الثلاثاء. ويوصف السعدني برائد الكتابة الساخرة في الصحافة العربية، ويصف السعدني الفترة التي قضاها بمجلة «روز اليوسف»»الرائدة بأنها كانت الأفضل في حياته، كما يصف الجو العام في «روز اليوسف» بأنه جو إبداع مثالي لعدم وجود صراعات في الدار ويعود السبب في ذلك لكون أصحابها هم من يديرونها بأنفسهم، وعادت إلى السعدني روحه الساخرة وتمكن من إنجاز عدد من الكتب والمقالات المميزة. ومن أهم مؤلفات السعدني:« الولد الشقي، مسافر بلا متاع، السعلوكى فى بلاد الأفريكي، الموكوس في بلد الفلوس، رحلات ابن عطوطه، أمريكا يا ويكا، و قهوة كتكوت، حمار من الشرق، مصر من تاني، تمام يا افندم». وبفقده تكون الصحافة العربية الساخرة قد خسرت رمزاً عتيقاً من رموزها الخالدة، برز باكراً وظل يعطي بسخاء أضحك الكثيرين على امتداد البلاد العربية طوال مسيرة أمتدت لأكثر من نصف قرن من الزمان، عرفه القراء عندما كان للكتابة سطوتها وأثرها البالغ في تشكيل وجدان الناس وحياتهم، وبرحيله أبكى كثيرين آخرين، رحمه الله وأنزل على قبره شآبيب الرحمة.