غيب الموت يوم الثلاثاء 4 مايو 2010م الكاتب والصحافي الشهير الأستاذ محمود السعدني، فاكهة الكلمة العربية الذي يعرف بأمير الظرفاء وأمير الساخرين، عن عمر يناهز الاثنين والثمانين عاما بعد معاناة مع المرض في سنوات عمره الأخيرة، فقد اعتزل العمل الصحفي والحياة العامة منذ سنة 2006م. عرف السعدني بأسلوبه الساخر في الكتابة الصحفية خلال رحلته الطويلة مع العمل الصحفي في مصر وخارجها، كان يسخر من الظواهر السالبة من حوله مثلما يسخر من نفسه، وأصبحت له بمرور السنين مدرسة خاصة في الكتابة "تخلى فيها عن البلاغة التقليدية ونحت قاموسا جديدا من الألفاظ التي تجمع بين الفصحى والعامية المصرية"، وخلف بكتاباته أثرا مباشرا أم غير مباشر في معظم من يمارس الكتابة الصحفية على امتداد الوطن العربي واكتسب ملايين القراء والمعجبين، واستطاع أن يمازج بين الفكاهة والالتزام بالكادحين وهموم التنوير والحداثة والقضايا الوطنية، وجر له ذلك في بعض الأحيان خصومة الدولة فكان ضيفا على السجون المصرية في عهد الملكية قبل الثورة المصرية وفي عهد عبدالناصر وأنور السادات. لم يأخذ سجنه في عهد عبدالناصر مأخذا شخصيا ولم يبدل تأييده لثورة يوليو فكان يقول عن نفسه أنه سفير عبدالناصر للطبقات الكادحة في أرصفة الشوارع والمقاهي ،مثلما كان هيكل سفيره للرؤساء والملوك والدبلوماسيين، فقد عاش السعدني طول عمره وسط الناس البسطاء رغم ارتباطه بصلات قوية ببعض الحكام العرب. ويحمد له دائما أنه لم يكن رجلا لكل العصور ولم يكن من الصحافيين الذين يبدلون مواقفهم أو يتدافعون نحو أبواب السلاطين. اضطر لمغادرة مصر بعد سنوات طويلة من السجن في عهد السادات ليذهب في منفى اختياري في الإمارات والكويت والعراق ولندن، وقد أرخّ السعدني لهذه الفترة من حياته ولكل فترات حياته في كتب مقروءة،تسجل تاريخ مصر السياسي والاجتماعي من أشهرها "الولد الشقي"، وتميز في كتابة سيرته الذاتية ، خلافا لمن كتبوا سيرهم الذاتية من المشاهير العرب، بالصدق الشديد دونما تجميل للوقائع وصنع البطولات والمواقف، وأصبح مصطلح " الولد الشقي" الذي ارتبط بالسعدني يطلق على كل كاتب جريء باحث عن المتاعب. كتب السعدني في السياسة والتاريخ والمسرح والمضحكين كما كتب أيضا عن أشهر مقرئي القرآن الكريم وخلف إرثا كبيرا للمكتبة العربية. كان اقتران اسمه بأي مطبوعة ضمانا للانتشار فقد كان الكاتب الأكثر شعبية، وقد حققت مجلة صباح الخير المصرية إبان رئاسته لتحريرها أرقاما غير مسبوقة في توزيعها.من كتبه الولد الشقي، الولد الشقي في السجن، الولد الشقي في المنفى، الطريق إلى زمش، مسافر على الرصيف، السعلوكي في بلاد الأفريكي، أمريكا يا ويكا ، وداعا للطواجن، رحلات أبن عطوطة، حمار من الشرق،الموكوس في بلاد الفلوس، وغيرها. وكانت أشهر أعمدته التي ظهرت في المصور وأخبار اليوم وصباح الخير والسياسة الكويتية هي "أما بعد"، "ثم إنّ" و "هذا الرجل". كتابات السعدني تأسر القاريء العادي، بغض النظر عن اتفاقه أو اختلافه معها،وتضحكه وتبكيه ، وتجبره على متابعتها. أذكر أننا كنا نتابع بشغف شديد حلقات "الولد الشقي" التي كانت تنشر في مجلة صباح الخير الأسبوعية قبل نشرها في كتب، وكنا نحرص على اقتناء نسختنا من المجلة قبل نفاذها من السوق ولكنا كنا نضطر لتخزينها في فترة الامتحانات أيام الطلب في الجامعة لنقرأها فيما بعد. أحب السعدني السودان حبا حقيقيا ، وكتب عن أيامه فيه كما لم يكتب أحد من قبل، وكان من القلة القليلة من الصحافيين المصريين الذين تناولوا الشأن السوداني بخلفية واسعة من المعرفة بالسودان وأهله ومن منطلق الحب. رحم الله الأستاذ محمود السعدني الكاتب الضاحك الباكي عظيم الصحافة والكلمة العربية. (عبدالله علقم) [email protected]