شهدت العاصمة المصرية القاهرة مؤخراً زيارات متوالية لزعماء المعارضة بالبلاد وعلى رأسهم الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي ومولانا محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل. ومن المتوقع أن يصل إلى القاهرة اليوم السبت د. خليل إبراهيم زعيم العدل والمساواة، وكانت هناك زيارة للرئيس البشير أيضاً بعد انتخابه مباشرةً في أول زيارة رسمية له بعد الانتخابات. ويرى المراقبون أن هذه الزيارات المباشرة تأتي من منطلق عمق العلاقات بين البلدين ومن أهمية ثقل مصر في الشأن السوداني. كما يرى المراقبون أن زيارة د. خليل إبراهيم للقاهرة تعكس أن مصر هي الأكثر فهماً وخبرةً لملف دارفور وأن القاهرة هي الأقدر على الحل. ماذا جرى في هذه الزيارات من نقاشات مع القيادة المصرية؟ وهل هناك تدابير اُتخذت لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء لحل أزمات البلاد المختلفة؟ أسئلة تطرح نفسها في التقرير التالي. قال هاني رسلان رئيس وحدة السودان وحوض النيل بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ل«الأهرام اليوم»: إن هذه الزيارات المتتابعه للفرقاء في السودان أمر طبيعي؛ لأن مصر هي دولة الجوار الأكبر وهي المهمومة بالسودان ومشاكله لتقاطع ذلك مع مصالحها، مضيفاً ولذلك فإنه من الطبيعي أن تكون القاهرة قِبلة لكل السودانيين لحل مشاكلهم، ويبدو على السياسة المصرية أنها متفقة مع الجميع في السودان في إطار حرصها على التواصل والاستقرار، مؤكداً أن القاهرة تسير في اتجاه إيجابي في هذا الموضوع وأنها توظف الاتصالات مع المعارضة السودانية من أجل البناء الداخلي وأنها لا تنصر طرفاً ضد آخر. وقال رسلان إن التواصل مستمر بين القاهرة والخرطوم وخاصة في هذه الأيام؛ لأن السودان مقبل على تحديات كبيرة وأن مصر حريصة على الوقوف بجانب السودانيين للعبور من أزماتهم بسلام. وتحدث رسلان عن زيارة مولانا محمد عثمان الميرغني والصادق المهدي للقاهرة مؤخراً قائلاً إن الصادق المهدي يراهن على النخبة والمثقفين لحل الأزمة السودانية وأنه طالب مصر بشكل مباشر وفاعل بالتدخل لحل الأزمة، موضحاً أن الصادق المهدي يستخدم القوة الناعمة على حد تعبيره والمتمثلة في الإعلام، وقال ولذلك نرى أن الصادق قام بالعديد من اللقاءات في القاهرة التي أبرزتها وسائل الإعلام، مضيفاً أن الميرغني أتى إلى القاهرة من منطلق العلاقات التاريخية بينه ومصر، مبيناًَ أن الميرغني يراهن على الحكومات في الحل، مشيراً إلى أن الدور المصري يبذل قصارى جهده إلى آخر لحظة قبل الاستفتاء على حق تقرير مصير الجنوب وأن ذلك تجلى في الاجتماع الذي احتضنته القاهرة بين د. نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية وباقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية قبل الانتخابات، وقال إن هناك نيّة لعقد اجتماع آخر بين الطرفين لاحتواء الخلافات بينهما الأمر الذي يؤكد الإصرار المصري على تقريب وجهات النظر بين شريكي الحكم بالبلاد، لافتاً أن مصر تبذل قصارى جهدها لجعل الوحدة جاذبة ولكنها لن تقف في وجه الجنوبيين إذا اختاروا الانفصال. وعن زيارة د. خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة المتوقعة للقاهرة اليوم السبت قال رسلان من الواضح أن هذه الزيارة تعكس إعادة صياغة لتوجه العدل والمساواة الذين ركزوا كل جهودهم على الدوحة، ولكن تبين أن رهانهم خاطئ، لأن الدوحة ليس لديها خبرة بالملف وأنها غير قادرة على إحداث أي اختراق، مضيفاً أن الدوحة نفسها أدركت أنها وقعت في فخ بقبولها استضافة المفاوضات. ويرى د. حلمي شعرواي مدير مركز الدراسات العربية والخبير بالشأن السوداني هذه الزيارات المتوالية للمعارضة السودانية للقاهرة أنها محاولة للذين يريدون مكانة بعد الانتخابات في الحكومة العريضة التي ينوي البشير تشكيلها. وقال شعراوي ل«الأهرام اليوم» إن القاهرة تعتبر مسرحاً سياسياً وإعلامياً للمعارضة السودانية، مؤكداً أن الدور المصري جيد في التحرك بالسودان وأن علاقة القاهرة بالجنوب جيدة، مضيفاً أن هناك اتفاق على الانفصال في السودان الآن وعلى مصر أن تجعل هذا الانفصال هادئاً دون مشاكل. وقال إن زيارة د. خليل إبراهيم للقاهرة تأتي في إطار البحث عن شروط جديدة للتفاوض مع الحكومة، وأن مصر بما لها من تأثير على الحكومة يمكنها أن تلعب دوراً في هذا الأمر. وأشارت د. إجلال رأفت أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة ورئيسة وحدة السودان بحزب الوفد المصري إن زيارات المعارضة السودانية السياسية والمسلحة للقاهرة لم تنقطع وأنها مستمرة قبل الانتخابات وبعدها. وقالت رأفت ل«الأهرام اليوم» إن هذه الزيارات للقاهرة تأتي لشرح الأوضاع بالسودان ومناقشة القاهرة في كيفية حل المشاكل السودانية، موضحةً أن مصر قريبة جداً من السودان لأن المشاكل السودانية تنعكس على مصر، مضيفةً أن الدور المصري الرسمي يلهث الآن وراء السعي نحو الوحدة، مؤكدةً أن هذا الموضوع تجاوزه الزمن وأن بوادر الانفصال تلوح في الأفق، مضيفةً أن مصر الشعبية لا يهمها من الذي يحل أزمات السودان بقدر حرصها على تحقيق الحل في أي مكان. ودعت رأفت مصر الرسمية الى أن تكرس مجهودها الآن في كيفية جعل انفصال الجنوب هادئاً وناعماً. وقالت إن مشاكل الانفصال إن حدث كثيرة بين الشمال والجنوب وعلى القاهرة أن تسعى من الآن لاحتواء هذه المشاكل بين الجانبين. من جانبه أكد محمد حسين شرف رئيس مكتب حركة العدل والمساواة بالقاهرة أن زيارة د. خليل إبراهيم زعيم الحركة لمصر تأتي في إطار التواصل المستمر وتبادل الأفكار مع القيادة المصرية بشأن أزمة دارفور والسودان. وقال شرف ل«الأهرام اليوم» إن الحديث عن فشل مفاوضات الدوحة سابق لأوانه وموقفنا من الدوحة مجرد تجميد للمشاركة في الانتخابات مع الحكومة وأن هذا لا يرتقي إلى الخروج من المنبر والبحث عن آخر، مطالباً مصر بأن يكون لها دور في محادثات دارفور. وقال نطمح لأن يكون لمصر دور محوري لأنها دولة مؤثرة على السودان، مؤكداً أن مكان المفاوضات غير مهم للعدل والمساواة وأن المهم للحركة هو وجود مصر فيها، مضيفاً أن القاهرة طرف محايد في الأزمة السودانية ومن الطبيعي أن يأتي إليها كل الفرقاء وأنه سبق وأن زارها د. خليل إبراهيم في عام 2006م بعد توقيع اتفاق أبوجا.