ألقى قرار وزير العدل بطلب الإنتربول بالقبض على د. خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة بظلاله على زيارة وفد الحركة بقيادة خليل للقاهرة؛ فقد أحدث القرار ارتباكاً ملحوظاً في برنامج الزيارة، فبعدما كان مقرراً عقد لقاءات إعلامية للوفد الزائر تم إلغاء هذه اللقاءات، أو على الأقل تأجيلها لحين التحقق من الأمر، وشهد لقاء خليل إبراهيم بالجالية السودانية أمس الأول(الثلاثاء) إجراءات أمنية مشددة من الجانب المصري، وتم منع أجهزة الإعلام المرئية والمكتوبة من حضور اللقاء، كما تم إلغاء لقاء كان مقرراً لخليل إبراهيم مع وسائل الإعلام المختلفة بجريدة الجمهورية أمس، وبررت مصادر مصرية مسؤولة ل«الأهرام اليوم» هذه الإجراءات بأن الإعلام ينقل رسالات مغلوطة، ولذلك تم ّمنعه. وكانت وسائل الإعلام قد نقلت أن وفد حركة العدل والمساواة قد استقبلته حشود سودانية غفيرة بمطار القاهرة، وهذا لم يحدث بل استقبله عدد من السودانيين الموجودين بمصر في مكان إقامته بفندق سونيستا بضاحية مدينة نصر بالقاهرة، ولم يخاطب خليل إبراهيم مستقبليه . وفسر مراقبون ذلك بأن السلطات المصرية قد منعته من مخاطبة الجماهير، وذلك حتى لا تفهم الخرطوم رسالة خاطئة، وهذا بدا واضحاً من لقاء خليل بالجالية السودانية، فقد خيّم على اللقاء جو من الهدوء، وعدم مهاجمة الحكومة، والتأكيد على أن العدل والمساواة تأتي للقاهرة من أجل السلام، وليست هناك رسائل للحرب. وشدد خليل في لقائه بالجالية على أن مصر تهيئ الأمور لمنبر الدوحة، وأنها ليست بديلاً له، مشيراً الى أن الدوحة بها عيوب لو تمّ إصلاحها سوف تعود الحركة للتفاوض بها مرة أخرى. هذا الحديث فسّره المراقبون على أن القاهرة ضغطت على خليل في هذا الاتجاه، وأنها لا تريد تصعيداً للأزمة مع الخرطوم. وأشار رئيس وحدة السودان وحوض النيل بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام هانئ رسلان إلى أن قرار مطالبة وزارة العدل للإنتربول بالقبض على زعيم حركة العدل والمساواة د. خليل إبراهيم له بُعدان: فني وسياسي. وقال رسلان ل«الأهرام اليوم» إن خليل إبراهيم لا ينطبق عليه هذا الطلب من الإنتربول، لأنه ليس مجرماً، ويعتبر قائداً لحركة مسلحة لها تنظيم وزي وراية، ولو ألقي القبض عليه سيكون أسير حرب، وتنطبق عليه قوانين أسرى الحرب، مضيفاً أن الخرطوم نفسها اعترفت بذلك عندما وقّعت معه إتفاقاً إطارياً بالدوحة، مؤكداً أن هذه الدعوة غير متطابقة، وتستدعي البحث في الدافع وراءها، منوهاً الى أن هذا الطلب من الحكومة للإنتربول بالقبض على خليل إبراهيم، سوف يفكر بالجنائية الدولية، وقرارها باعتقال الرئيس البشير، واصفاً القرار بالافتقار إلى الحنكة السياسية. وقال رسلان إن الواضح من هذا القرار هو محاولة الضغط على مصر، أو إظهارعدم الارتياح لاستقبال القاهرة لخليل إبراهيم في هذا التوقيت، مؤكداً أن هذا كان به قدر من التسرع، وأنه غير مفيد، موضحاً أن مصر لم تستقبل أيّة حركة مسلحة بهدف استهداف السودان حتى في ذروة الحرب، مضيفاً أن مصر لها خيوط اتصال مع كافة الأطراف السودانية بما فيها الحكومة وأن هذا يوظّف لمصلحة الاستقرار والوحدة بالسودان، لافتاً الى أن هناك بوادر أزمة مكتومة بين البلدين، وقال إن هناك نيّة من الطرفين في القاهرةوالخرطوم لاحتوائها، والرغبة في عدم التصعيد، وينعكس ذلك في زيارة وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط، ومدير الخابرات المصرية عمر سليمان للخرطوم، وكذلك الزيارة المرتقبة لكل من د. نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية، ود. مصطفى عثمان إسماعيل مستشار رئيس الجمهورية بعد غد السبت للقاهرة. ويذهب مساعد وزير الخارجية المصري وخبير القانون الدولي د. عبد الأشعل في عكس الاتجاه، مؤكداً أن قرار الخرطوم بطلب خليل إبراهيم من الإنتربول صائب. وقال الأشعل ل«الأهرام اليوم» إنه لابد أن تركز الدبلوماسية السودانية على مطاردة التمرد الذي يهدد سيادة الدولة، مشيراً إلى أن هذا القرار جاء متأخراً من جانب الجهات السودانية. وأبان الأشعل أنه نصح الحكومة من قبل باتخاذ هذا القرار، وأن الحكومة من جانبها كانت ترفض لأنها كانت تريد تسوية سلمية لأزمة دارفور، مطالباً الحكومة أن تتبع هذا القرار بعمل دبلوماسي موسّع لشرح أبعاد القرار وخلفياته، وماهو الذي جدّ حتى تطلب ذلك بعد مباحثات الدوحة؟ وقال إن يتخذ هذا القرار الإجراء الصحيح في سياق معين وأنه لا يصح أن يظهر وكأنه مجرد دعوة طائشة من جانب الحكومة، وأن يكون هناك حركة منظمة، أما إذا كان هذا القرار من أجل التخويف فهذا حديث آخر. فيما يرى المحلل السياسي المصري محمد جمال عرفة أن هذا القرار محاولة للضغط على خليل إبراهيم، وأنه رسالة للقاهرة بأن الأمور لابد أن تمر أولاً عبر الخرطوم. وقال عرفة ل«الأهرام اليوم» إن طلب الحكومة لخليل إبراهيم في هذا التوقيت يعبّر عن إستعراض قوتها التي اكتسبتها من الانتخابات، التي أعطتها الشرعية في قيادة السودان، مضيفاً أن هذا القرار لن يؤثر على العلاقة بين البلدين لأن هناك أمور إستراتيجية بين الدولتين مثل الاستفتاء والمياه وغيرها، وأن هذه ملفات تستوجب التنسيق في المرحلة المقبلة، مدللاً على ذلك بأن هناك حالة قلق مصرية ونهضة متأخرة نحو الجنوب ودارفور، وأن ذلك ظهر في زيارة أبو الغيط وسليمان للخرطوم مؤخراً، وكذلك استقبال القاهرة لكل أقطاب المعارضة السودانية، والحكومة وذلك في محاولة لاحتواء الأزمة السودانية. من جانبها اعتبرت حركة العدل والمساواة القرار مجرد فرقعة إعلامية في هذا التوقيت لاستضافة القاهرة للحركة. وقال الناطق الرسمي للعدل والمساواة أحمد حسين آدم إن هذا القرار يمثل فرقعة إعلامية من جانب الخرطوم تزامنت مع اجراء وفد كبير من الحركة مباحثات مع المسؤولين المصريين حول قضايا الوطن الجادة، مضيفاً أن رموز النظام هم المطالبون أمام الجنائية الدولية، متسائلاً إذا كنا كذلك مجرمين فلماذا وقّعت الحكومة معنا في الدوحة اتفاقاً إطارياً؟ ولماذا تثير هذا الموضوع الآن، ولماذا لم تعلن عنه ونحن في الدوحة؟ وأكد أن الخرطوم تظهر بهذا القرار عن أنها لا تريد دوراً مصرياً في حل قضايا السودان، وأنها تريد تعكير صفو الحوار الراقي الذي أدارته العدل والمساواة بالقاهرة، مشيراً إلى أنه في الوقت الذي تناقش فيه الحركة بأقصى درجات المسؤولية من أجل السودان، يكون المقابل هكذا من الخرطوم، موضحاً أن مصر تشارك العدل والمساواة في قلقها بشأن المخاطر التي تهدد البلاد.