{ في رده على زاوية (مسارات) التي جاءت تحت عنوان «ظاهرة تلفت الانتباه: ست الشاي في الميديا العربية» بتاريخ 21 مايو، التي نشرنا فيها ملخصاً لتقرير نسجه الزميل خالد محمود الصحافي بصحيفة (الإمارات اليوم)، كتب السيد سمير محمود محمد تعقيباً، نشرنا أمس (الاثنين) ملخصاً له نسبة لطول الرد مقارنة بمساحة الزاوية. وحمل التعقيب في ثناياه الكثير من الأخطاء، وسوء الفهم، والإصرار على الانزلاق بالحديث إلى مرامٍ لم تكن في سياق ما ورد في (مسارات) ما يعزز فرضية الغرض في كتابة الرد. { ويبدو أن السيد سمير لم يقرأ الموضوع جيداً، أو لم يفهم ما قرأه؛ ذلك لأن التقرير الذي لخصناه يعبّر عن تعاطف حقيقي مع «ست الشاي». وثانياً بنى رده على اعتبار أن ما كُتب يعبِّر عن وجهة نظر كاتب زاوية (مسارات)، وهذه فرضية تؤكد جهله بأبسط قواعد النشر الصحفي، وهي أن ما يُنشر لا يعبِّر بالضرورة عن وجهة نظر الصحيفة أو الزاوية، وتنشر الصحف عادةً مختلف وجهات النظر لإتاحة حرية التعبير لكل من يعبِّر عن رأيه في حدود القواعد المرعية، وكثيراً ما تتصدر مكاناً بارزاً في الصحيفة أو المجلة عبارة «الكتابات التي تُنشر لا تعبِّر عن وجهة نظر المطبوعة». { ويحاول كاتب التعقيب أن يلوي عنق الحقيقة عندما يشير إلى أن «ست الشاي» مهنة وليست ظاهرة، متناسياً أو ناسياً أن الحقيقة التي يماثل وضوحها شمس رابعة النهار أن «ست الشاي» برزت ك(ظاهرة) بعد تتالي الكوارث الطبيعية على بلادنا، من جفاف وتصحر وفيضانات، فضلاً عن النزاعات القبلية، والحروب، وهذه حقيقة من بساطتها لا تحتاج إلى «درس عصر»، ونتجت عما رافق تلك الكوارث من ظواهر من نزوح وضحايا ويُتم وغيره مما ترك مسؤولية العديد من الأسر تقع على عاتق النساء. { وبعد ذلك يذهب السيد سمير في رحلة مدح مطوَّل للسيد والي ولاية الخرطوم د. عبد الرحمن الخضر، لسنا معنيين بها في هذا المقام؛ لأن من أبسط واجبات الحاكم أن يوفِّر للرعية حياةً حرةً وكريمةً وآمنةً من «الكشات» وغيرها مما يهين كرامة الإنسان. { ويدخلنا السيد سمير في متاهة مغالطات أخرى، تشِف عن غرض يعنيه هو وحده ولا يعني أحداً سواه عندما يكتب: «الأستاذ الأسباط يتحسَّر على المقاهي التقليدية التي اختفت في عهد مايو ولابدّ أنه كان من روادها». ومن فرط جهل السيد سمير بأبسط مراجع الكتابة، يعتقد أن ما أفدتُ به في تقرير «ست الشاي» هو مجرد حسرة شخصية، وهو لا يعلم أنني في أواخر عهد مايو كنت أنعم بصبا هادئ في قرية وديعة تتوسَّد رمال كردفان، ومع سقوط مايو كنت أتلقى العلم بالمرحلة الثانوية بمدينة الأبيض، وبالتالي فليس ثمّة حسرة ولا يحزنون، لكنني أعتمدت على مصادر موثقة تحدثت عن التاريخ الاجتماعي والثقافي للعاصمة، وهي مصادر تربض في أضابير المكتبات الجامعية وبحوث الدراسات العليا، لكن الغرض أعمى الرجل وجعله يعتقد أن الأمر مجرد «حسرة». { ويمضي السيد سمير ليقول: «لكن الصحافي محمد الأسباط يعتبر اختفاء المقاهي التقليدية في السودان وحلول عشوائيات الشاي مكانها مؤشر انحدار وتدهور». وماذا نسمّي ذلك يا سيد سمير؟ والسؤال موجَّه إلى السادة القراء: أيهما أكثر تحضُّراً وأفضل خدمات ومؤشراً على التطور؟ المقهى الذي تشرف عليه إدارة الصحة بالبلدية، ويطوف عليه ضباط الصحة للتحقق من حسن النظافة وجودة الخدمات وإخضاع العاملين فيه للكشف الصحي، الذي يدفع صاحبه الضرائب للدولة، أم «ست الشاي» التي يتحلّق حولها الناس كيفما اتفق دون الخضوع لأي ضابط من ضوابط التحقق من النظافة والجودة وحسن الخدمات؟ والإجابة عن هذا السؤال تكشف أن السيد سمير يكتب بما يعِن له دون أبسط متطلبات المنطق السليم والرأى السديد. { ويتساءل السيد سمير في استهزاء ينِم عن جهل بتفاصيل ما يكتب عنه وله عندما يقول: «سبط من أنت يا من تدعو لما يخالف عاداتنا وتقاليدنا، سبط من أنت يا من ترى في أكل العيش الشريف انحداراً وتدهوراً». شخصياً لا أرد على ترهات فيما يتصل بالتجريح الشخصي؛ لأن القارئ الكريم غير معنِي بقضايانا الشخصية، وأربأ بنفسي عن الخوض فيما هو شخصي أو شخصنة الكتابة، على الرغم من أنني قادر على ذلك، لكنني سأرد على الجانب الموضوعي فيما سلف، وهو أنني لم أدعُ قَط، لا في زاوية (مسارات) موضوع التعقيب ولا في أي مقال أو حديث سابق لما يخالف عاداتنا وتقاليدنا. وأجدد القول إن السيد سمير لم يفهم ما قرأ؛ لأنني حلّلت ظاهرة ولم أتبنَّ أيّة دعوة. { أما أكل العيش الشريف فأنا لم أصفه بالانحدار والتدهور قدر ما أشرت إلى أن غياب الخدمات المنظمة الخاضعة لقواعد انضباط معلومة واستبدال ذلك بخدمات أقل دليل تراجع وتدهور، وهذا أيضاً يدل على أن كاتب التعقيب صاحب غرض ويفتقر إلى قواعد المنطق والفطرة السليمة. ونواصل