والمملكة العربية السعودية تصدر قرارها المهم بأن لا يأتي أحد إلى مرفق حكومي إن كان موظفا أو عميلاً إلا وهو مرتديا الزى القومي، وهو قرار صدر تحت توقيع الملك وفوق رأس تنفيذ كل المواطنين - حاملي الجنسية السعودية فقط بالطبع - واهتمّ العالم العربي بين مؤيد ومنتقد للقرار الحدث وقتها، كيف لدولة أن تصدر مرسوما للناس بماذا يلبسون وكيف يمشون بين مدينتهم؟ ولم تبرر المنابر الرسمية للدولة القرار المهم واكتفت ببرامج الرأي العام التي حملت آراء الشعب السعودي واضحة في ملامح أزيائهم.. وإصرارهم على تفاصيله حتى خارج الدوام الرسمي، مما أثبت حسن خيار الدولة وتوافقه مع معظم العامة. والتلفزيون القومي السوداني قبل سنوات أصدر مرسوما إداريا بارتداء الزى القومي لمذيعي النشرة الرئيسية وزانت الشاشة وقتها الجلابية وثوب، وتميزت القناة الفضائية السودانية بذاك الزى وتلك الوجوه.. وبسبب اللون الداكن للبشرة السودانية التي تجعل من الصعوبة ضبط الصورة على درجة نقاء الجلابية والبشرة السمراء تنازلت القناة القومية عن الجلابية وبقى الثوب على كاهل المذيعات مطرزا لا يحفل بأحزان الأخبار ورسميتها! والبنات حديثات العهد بالزواج يجتهدنّ باحثات عن الجميل في سوق الثياب يجمعنها بكامل مستلزماتها ليقدلنّ بها أيام عرسهنّ ملونة ومزخرفة تثبت لمن لا يعرف أنها لعروس جديدة.. ثم تنتهي فترة فرح الثياب بمجرد نزول العروس للدراسة أو العمل لتعود للأزياء الأخرى.. غالبا العباءة العربية التي يشاع أنها أكثر مرونة وتحرراً في الحركة ولا تعيق المرور الفردي للمرأة. وتقبع ثياب الشيلة حزينة على آخر رف تنتظر خروجاً مسائياً أو مناسبة اجتماعية تعيدها سيرتها الأولى برونق خيوطها الحريرية وتشدها من (كرفسة) الموت المؤقت! وسيدة الأعمال (سامية شبو) تقيم أسبوعا للثوب السوداني تعريفيا وتاريخيا ويشمل - ضمن الصيحة الجديدة في السودان - عرضا للأزياء التي هي في الأصل زي واحد، هو الثوب، لكن بمختلف التفاصيل المزركشة والناعمة على حريره والمتزحلقة على الشيفون..! وتأتي السيدات بمختلف المهن والمرتبات الاجتماعية باحثات عن أكثر الثياب تطريزا وأحجارا كريمة - مزيفة - ليمتطينه شفافا في أخبار أو زيارة مستشفى أو عمل أو عرس. وعلم الأزياء المبتدع في فرنسا كان - لإلباس الملك أزياءً مختلفة عن عامة الشعب - يعرّف الأزياء بأنها التي تعتمد على ثقافة الفرد وتستنبط خطوطها التقليدية أو المعاصرة منه وتبتكر الجديد بما يتناسب مع البلد الذي فيه ويجعل الزى لغة تعبر عنه وتتحدث باسمه.. لذلك ربما نجد أن الملوك والرؤساء في المحافل الرسمية يلبسهم مستشاري أزيائهم الزى الرسمي لبلدهم مكتملا أو مكملا بالخطوط العالمية التكميلية من الإكسسوارات. فالرئيس الأفغاني الشهير (حامد كرزاي) رغم الانتقادات الشعبية له في وطنه ورغم معرفة العالم بميله القلبي والعقلي تجاه أمريكا إلا أنه لم يظهر في مناسبة رسمية أو صورة إلا وهو مرتديا الزى الشعبي الأفغاني.. والرئيس الليبي (معمر القذافي) الذي لم يألُ جهدا في تمرير أفكاره المبتكرة للمصممين العالميين لتصميم متميز لزى الطوارق الشهير ليختال به متميزا في كل قمة أفريقية..! ورئيسنا المنتخب (عمر حسن أحمد البشير) حيث أعاد لسطح المجتمع السوداني زى الجلابية (أم ثوب وصديري) الشهيرة بها مناطق محدودة في السودان ولا تعتبر زيا رسميا كالجلابية وحدها.. والمجتمع العربي انتبه مؤخرا لضرورة الزى في التعريف بالفرد وأنه ليس مجرد أقمشة تستورد من أجود مصانع النسيج العالمي وتخاط بأمهر (الترزية) إنما هو عاكس لثقافة البلد الذي تنتمي له بل ويحافظ عليها في ظل هذا الزحف الماسح وكاسح لأي ثقافة بل وحتى النوع.. وكل مصممة أزياء تستطيع أن تجد مكانا فارغا في مساحة ثوب لتلصق به جوهرة زائفة ستدعي بأنها أنجزت للثوب السوداني فتحا في الممرات العالمية للأزياء. وكل رجل سوداني تحدثه نفسه بخياطة جلابية سوداء وحمراء - بملحقاتها - ليختال بها في المطارات والمنابر الخارجية متفضلا على الذين لا يسمعون من أنباء السودان سوى القتل والتمرد بأننا كذلك نرتدي ألوانه أزياء! سيتشدق بأنه وطني جوهرا ومظهرا! وكل البرامج التي تستضيفهم كنوابغ عصر يتحدثون عن بحثهم الذي أدخل الزي السوداني الموسوعة العالمية للأزياء.. من حيث الابتكار والتجديد سيقول معدّوها أنهم أعادوا للزي السوداني مجده الآفل.. لكن في زمن تندمج فيه العملات والثقافات ويجتهد فيه العلماء الإنسانيون في توصيل مفهوم الخصوصية الثقافية للبلدان - وبالذات العربية والأفريقية - وتختفي فيه الأزياء شيئا فشيئا من أجساد الناس وتختلط لتصبح فقط ما يغطي بلا تميز أو تمييز نوعي أو ثقافي.. ينبغي أن نتوقف بالسؤال لأنفسنا وللآخرين (أنت زيّك وين؟) و(زيك كيف؟)