مرت أمس ذكرى ثورة الخامس والعشرين من مايو، والذكرى تنفع المؤمنين، و(السياسيين) منهم، قبل وأثناء وبعد مايو وبعد العام 2011م الذي سيكون فيه السوان موحداً أو منفصلاً. قلنا رغم إنها كانت أطول التجارب عمراً قبل الإنقاذ ، لكنها أيضاً كانت تجربة متعددة في تكويناتها ومتباينة في خطابها السياسي وغير مستقرة في شكلها كحكومة ، ذلك أن حقبة مايو 1996 - 1985 قد بدأت بدفع لتيار اليسار الذي خرج غاضباً من التجرية الديمقراطيةالثانية بعد طرد نوابه من الجمعية، ثم انقسمت مايو على نفسها وانقضت على اليسار بعد أن حاول ابتلاعها (إنقلاب هاشم العطا) في يوليو 1971م. ثم كان دفعها القوي باتجاه إقرار سلام عادل من خلال الحكم الذاتي في اتفاقية أديس أبابا، وهي المرحلة التي شهدت تقاطعات عديدة في العملية السياسية خلال التجربة المايوية ، حيث اتجهت قليلاً نحو الوسط وهي تجابه قوى المعارضة التي اجتمعت ضدها من خلال تكوينات عسكرية أنشأت لها المعسكرات في أرض الجماهيرية للانقضاض على نظام الحكم المايوي، حيث كانت تلك المواجهة التي عرفها الواقع السوداني والمسرح السياسي لأول مرة بقوات وطنية جاءت من خارج الحدود فيما عُرف ب(المرتزقة) في عام 1976، ثم كانت المصالحة الوطنية في العام 1978، وإن كانت صفقة من أجل البقاء في مقابل المشاركة الحزبية في إدارة الحكم، حيث اكتملت ملامح الوسطية في التجربة المايوية ، ثم جاءت القوانين الإسلامية في سبتمبر 1983 والتي كانت أيضاً شكلاً من أشكال المواجهة لنظام مايو واتجاهاً نحو المنهجية اليمينية في ذاك الوقت وبعده ، حيث أقصى جعفر نميري المفكر الإسلامي د. حسن الترابي الذي كانت يشغل منصب مساعد رئيس الجمهورية وقتذاك فأقصاه هو ومجموعته، وجاء بمجموعة أخرى قامت بصياغة القوانين الإسلامية في ظل ظروف بالغة التعقيد شهدتها البلاد، أبرزها واقع التردي الاقتصادي بسبب الجفاف والتصحر الذي ضرب أغلب أرجاء البلاد، وهي المرحلة التي انفتحت فيها البلاد على مصراعيها للقوى الخارجية التي دخلت تحت ستار العون الانساني في أضخم عملية استخباراتية يشهدها السودان ، ثم كانت انتفاضة رجب أبريل 1985م التي أنهت حقبة مايو وذهبت بها أدراج الرياح، وجاءت الفترة الانتقالية والديمقراطية الثالثة وذهبت هى الأخرى أدراج الرياح ولم يبق من هذه الحقب إلا الذكريات حلوها ومرها والأغنيات والتي من بينها (جيتنا وفيك ملامحنا).