تشوه وجهه بتجاعيد لا يخفى فيها وجهه الأسمر، عيناه يملأها سائل أصفر يعكس مظاهر القلق والتوتر، تمدد في سريره حتى يذيب مجموعة أفكاره التي تبلدت، فهو يرى أن البطريق الذي تتأتأ يومها أمام داره كان فألا عليه، فهو لم يشرب من بركة مائه التي يضعها للطيور عادة، بل غاص بأعجوبة بأكمامه البيضاء ولوث باقي جسده بزغب الطيور، يومها لم تمهله الأحداث للإمساك به بل دوت فجأة طلقات نارية أصابت رجله اليمنى وسقط على الأرض والدماء تنزف بغزارة من رجله، فهو لم يعرف أيهما يريده الصياد الماهر أهو أم البطريق؟ يومها غرز البطريق أسنانه وقد تلوث فمه بالدماء، لم يستطع جر الرصاصة فهو يراها غريبة عليه، جرها بقوة يريد أن يخلد ذاكرة أندرو والأسد في إخراج هذه الرصاصة، فهو لم يعتبرها الشوكة التي انغرزت في رجل الأسد يوم أراد أندرو إخراجها، بل رآها شيئاً آخر يصعب إخراجها، فدار حوله وأخرج صوتاً غريباً في نبرات من الحزن عليه. فأنطلق يجري وهو يخرج صوته الغريب، ينادي البحر ويريد الماء فقد تلوث فمه بدم أزرق أثناء محاولة إخراج الرصاصة، فخاف ودخل الدار يدور ويتتأتأ وأخيراً خرج وسبح في البركة وغطس غطستين غسل فيهما فمه، روض أسنانه وبقوة أخرج الرصاصة وهو يصيح.. أختبأ خلف الباب وهو يئن، فتيقن أن لولا البطريق لما دخل الدار ولما توقف النزيف، فهرب البطريق، يومها كان شغله الشاغل، فقد يبدو في نظره بأنه مذنب وأن له يدا في ما حدث للبطريق لأنه رآه أمام الدار يوم أراد السقوط والإستحمام في البركة، فأصبحت الآلام والخوف تعتصر جيده وتشوه تفكيره وكلما وقع نظره على الباب مفتوحاً يرى أن طائراً غريباً سيأتيه ومنه يعرف مكان البطريق، وأحياناً يدور ذهنه أن الرصاصة طائشة ولم تصل البطريق ولم يكن فيها هو المستهدف بل البطريق، من بعيد رأي ظلاً لشيء يزحف ويريد الطيران لم يتحرك من سريره بل أراد أن يظهر هذا الشيء ويعرفه.. زحف من خلف الباب فانطلق منه صوت يعرفه هو، فدار حوله فأراد أن يلطف جوه إلى أن وصل إليه، فوقف وأتكأ على عصاته وتقدم وهو يقفز وعيناه نحو الباب وأمام الشيء الذي يظهر، عرف أن البطريق.. هاهو أتاه نهاراً لا ماء ولا بحر بل يجر قدميه ويصفق بأجنحته فمال من عصاته إليه وأخذه وتحسس جسده وريشه، فعرف أنه مصاب بطلقة مثله كانت قد انغرزت تحت إبطه! هكذا كان يحكي الحديث بدون خداع مع نفسه، سطر فيها أحزانه منذ سقط البطريق ميتاً وهو يرقص من الآلام إلى أن فارق الحياة، حفر حفرة عميقة ووضعه فيها بعد أن هال عليه التراب أصبح يتتأتأ مثل البطريق، يحاكيه في مشيه لا صوت له ومع هذا أصبح لا يستسيغ ماء البركة فدفنها مثل ما دفن البطريق لم تأت طيور أخرى أصبحت الدار بدون أصوات غير صوته عندما يحس بآلام رجله إلى أن أتاه زائره الذي يعاوده دائماً، فاكتسى حديثهما موجة حزن عندما حكى، فقد تكرر هذا الحدث من قبل ولكن كان بصورة أخرى عندما كان يومها داخل الدار وانطلقت رصاصة ومع هذا لم تصب غير طائر صغير كان يطارد أمه وقد خرج يومها ليرى الفاعل ولكن كما حدث لم يجده ودون محضر آلامه ضد مجهول وحمل الطائر الصغير وشرع في دفنه تلقائياً مثلما حدث للبطريق.