ناعم الرأس يحاول التغلب على صراع الخلايا داخله بجرعات العلاج الكيميائي التي تحيق المكر في كافة بصيلات الشعر في جسم فتسقطها بلا رحمة من عليه، لتضاف لسنواته الصغيرة أعواما من الرهق والإجهاد. إنه طفل مصاب بالسرطان - باختلاف الخلايا المصابة - وأعرف أنه سيبدو التأثر العاطفي عليهم وسيتمتم البعض - مثلما فعلت - ربنا يشفيهم.. و«الله يشوفهم»، لكن ما هو أفضل من الهمهمة الخافتة هو نشاط فتية آمنوا بمحاربة السرطان وزادهم الإيمان قوة في تنظيم عمل خارق كان في بدايته جمعية مسجلة باسم (نحن)، ثمّ طال بنيانهم ليتمكنوا من تحويله إلى منظمة - في القريب بإذن الله - تقدم دعمها المادي المتمثل في العلاج بكافة صرفه وأشكاله - وإن كان فيتامينات داعمة لجسم الطفل. وتقدم الدعم المعنوي المتكامل لهم في تعزيز نفوسهم المرهقة من التعاطي مع مرض لا يقوى عليه أصحاب الأجساد المبنية والنفوس القوية.. والدعم المعنوي يتمثل في كافة أشكال الأيام الترفيهية والزيارات الاجتماعية من نجوم مجتمع ,الخ... ما يدهش في أمر هؤلاء الشباب أنهم اتخذوا من (عنبر) في مستشفى الطب النووي والعلاج بالأشعة مكانا لتقديم كل هذا السخاء القليل، لأسباب تتعلق في أصلها بعدم وجود مساحة ممنوحة لهم لتكون بمثابة الاستراحة للأطفال بعد تعاطيهم الجرعة الكيمائية من العلاج التي تضيف إلى جسدهم آثارها الجانبية المرهقة جداً، حيث تبدأ بالقي وتنتهي - إذا انتهت - بتساقط الشعر وتهالك الخلايا!. بجانب أن معظم الأطفال قادمون من أطراف ولاية الخرطوم أو خارجها لتلقى العلاج مما يستلزم في كثير من الأحيان استبقاءهم داخل المستشفى للمتابعة والجرعات.. وهنا تأتي ضرورة عملهم في توفير فرص أفضل للأطفال ومرافقيهم من حيث ترتيب مواعيد الجرعات وترتيب أوضاعهم السكنية.. ورغم ما يواجهونه من صعوبة توصيل الأطفال المرضى من أماكن سكنهم إلى المستشفى في كثير من الحالات التي لا يستطيع أهلهم التكفل بمصاريف السكن ولا صلات أرحام تربطهم بمواطنين خرطوميين.. مما يحتم عليهم الالتزام برحلة ذهاب وإياب مستمرة للمراجعة والجرعات والفحص.. وهو ما يشكل أكبر تحد لمجموعة (نحن) فالمعينات المادية التي يحصلون عليها من المستشفى والداعمين وفاعلي الخير ورسوم الاشتراك بالكاد تمكنّهم من تغطية المنصرفات اليومية للأطفال من ناحية العلاج والتغذية التي بدورها تأخذ حيزا مقدرا من الهم اليومي لشباب الجمعية، بجانب عدم وجود إحصاءات علمية حول المرض والمصابين به - من الأطفال - وأعدادهم لتساعدهم في تقديمها كدراسات جدوى للمشاريع الكبيرة التي يحلمون بها لهم. رغم كل ذلك فإنهم يحفرون في صخور جبلية لإفساح مساحات ضوء تمر عبر روحهم المنهكة وتعيد إليهم حالة حياة الطفولة المرحة التي تفقدهم لها كل تلك الأسلاك الشائكة من عناء المرض وتوصيلات الدواء. واليوم يحققون ثقبا جديدا ليمر يوم ترفيهي آخر- يبلغ الرقم الثالث بعد العشرين - يعزز في نفوس الأطفال الثقة في «يوم بكره» وبأنه سيكون أجمل وسيحمل ربما نهاية سعيدة لكل هذا التعب الجسدي والنفسي.. بمشاركة غاية في النقاء الإنساني والأناقة الإيمانية بقضايا الطفل من السيد «علي مهدي» المدير الإقليمي لقرى الأطفال والناشط في مجال الطفل - وهو رجل مجتمع لا يتخطاه حدث - وبمشاركة أطفال قرية (sos) وأطفال سليمين لتثبيت خطأ المفهوم السائد لدى كثيرين للأسف بأن السرطان يتفشى بالعدوى... ! ولكسر الحاجز النفسي بينهم كمرضى ومعافين خاصة وأن الأطفال لديهم في عقولهم المتفتحة والماصّة للمعلومة أسئلة قد تبدو محرّجة لقرنائهم حينما يبدأ الرأس الصغير بالصلع الإجباري.. ثمة إشارة لابد منها، بوجود جمعية ومنظمة أخرى تسعى لجمع التبرعات من كافة الفئات لبناء مستشفى مجاني لأطفال السرطان» نحن مجبرون للدعم بما نستطيعه باليد واللسان والقلب.. وحيث أنه أضعف الإيمان فإننا نحاول أن نبسط أذرع التعاون مع جماعة تحاول بتنسيقها مع الجهات الرسمية منح الأطفال مرضى السرطان حق العلاج والتسكين المؤقت - لفترات العلاج - وحق البهجة وعدم العزلة الاجتماعية وحق طفولتهم التي يحاول المرض أن يسرقها منهم كما سرق خلاياهم.. وأحلامنا.. ونحن، معهم ضده حتى ينمو شعر رأسهم وتنمو شعور الناس نحوهم.