{ فاصل مداري وتواصل بعده المفاوضات بالدوحة عرضها المنتظر بختام توقيعي جميل ينهي ما استطاع النزاعات المسلّحة بإقليم دارفور بأكمله.. وعرفتُ أنه تصح تسمية إقليم جغرافياً فقط له وليس سياسياً فبعد رحلات (د. خليل إبراهيم ) التي تابعناها على الوكالات العالمية والصحف المحلية واللقاءات الحصرية المتميزة وأولها لقاء السحاب المنشور بالصحيفة الأولى الأهرام اليوم عاد المحللون إلى توقُّع استمرار التفاوض مرة أخرى وعودة الوفد (الحردان) إلى طاولة الحوار ومحاولة إنجاح ما أفسدته الأقوال الخارجية بإفشالها الجولات السابقة من التفاوض. { والمتابع العادي يعرف، بدون الحاجة إلى شهادة في العلوم السياسية، أن السيناريو الذي ينفذ الآن من الحركات المسلحة التي تدعي الانشقاق أو الانسلاخ من حركة العدل والمساواة ما هي إلا سمسرة خارج العرض الرئيس للثروة التي يتم التقاتل حولها. فالسلطة تمّ التحقق من أنها لا تعني الكثير للمحاربين مقابل الصيت العالمي الذي يحصلون عليه كمتمردين ضد نظام دولة بغض النظر تماماً عن المقارنة بين معتقداتهم وما تنفذه سلطات الدولة في تبيان من هو أحقّ بحسن صحبة الشعب؟! { فالجميع يشاهدهم بذات عصابات الرأس الشهيرة لبدو الطوارق والزى المبرقع الذي صُمِّم خصيصاً لجنود المارينز ليميَّزهم كجيش خاص (مرتزقة) يقوم بمهمات قذرة لا تسمح أخلاقيات الجيش الرسمي بتنفيذها، في أمريكا كإبادة مجمع سكني أو قرية تأوي متمردين، ...إلخ... { وكلنا نتابع التغطيات لأحاديثهم عن حقوق أهل دارفور وأنهم هم وحدهم دون الحركات الأخرى من يعرفون ماذا يريدون وكيف يجلبونه لهم؟ وأهل دارفور في التسويق الإعلامي الخارجي حفنة من الجوعى والعطشى والأرامل واليتامى الذين يحتاجون في بادئ الأمر إلى الغذاء والكساء والأمن والسكن. { والمنظمات التي اتخذت من الأراضي المحروقة، في السابق مخيمات تقيم عليها سحائب الرحمة العالمية من كافة الحاجات الأولية، تسعى كذلك لنقل الصورة أبيض وأسود لذات العالم المانح ليعرف ما الذي يحدث هناك. { وهنا تبدأ المفارقة بالحدوث، فما يمكن أن نتصوَّره عطاءً سخياً يتحوَّل بقدرة الصورة إلى عناء يضاف مجروراً لقائمة المفاوضات والمزايدات الخارجية والداخلية على السواء وما يتبقى من رصيد تلك المفارقة يتم تحويله مباشرة إلى مادة إعلانية لتلقي دعم جديد. { أما شعب الإقليم الحقيقي فهم في غنى مستغنٍ عن كل ذلك لا يتوقعون أفضل من يوم جديد يستيقظون فيه بلا صوت دوي أو عويل، ويستطيعون إذا أصابتهم مصيبة المرض أن يجدوا من يداويهم ولو بمقابل قليل ويتمكنون بعد طول حرث وتقليب من زراعة أرضهم وريِّها ليأكلوا ثمرات عرقهم بلا مسمِّدات غير الطبيعية، ولا يتملّكهم عشم إبليس في جنّة مبنية سقوفها من جماجم أبنائهم وجيرانهم وتجرى تحتها أنهار دمائهم وحولهم ولدان مصابون بأمراض العصر والنفس ونقص المناعة وحور عين لا يستطيعون لمسهنّ من تفشي المرض في أجسادهنّ أو من خوفهن الساكن في كل خلية من الآخر مهما بلغت درجة قرابته لهنّ. { وغرابة موقفه الأخير (د. خليل إبراهيم ) الذي جعله يطوف أفريقيا بلا مبرر نظري أحالته إلى موقع متأخر جداً من المشهد العالمي السياسي وتركت انطباعاً سيئاً حول مواقفه التي كانت تبدو نبيلة بالنسبة لحركات أخرى، لا سيما التصعيد الداخلي التابع لذلك من اعتقال (د. حسن الترابي) ومعادلات الحمض النووي لإثبات صلة القربى بين المؤتمر الشعبي والعدل والمساواة! وجعلت عودته مرة أخرى للحوار غير قابلة للنقاش. { فمباريات الذهاب والإياب للدوحة قد شارفت على نهائياتها الحتمية للوصول إلى صيغة ترضي جميع الأطراف.. لذا فإن على الحركات المندمجة والمنسلخة والمتوقعة أن تحدد موقفها الواضح تجاه عملية السلام والطرائق التي به يمكن أن يكون واقعاً للتعايش السليم أو أن تعرف منذ الآن أنه وأمام رغبة الجميع في السلام فمحاولاتها المبطنّة لطرق أخرى ستكون مجرد عشم إبليس.