{ خصائص القائد باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية تمثل حالة نموذجية للدراسة والتدقيق؛ فهو يخلط المدرسة السينمائية لتكون في خدمة المنهج السياسي الذي يسترضي طموحاته وأهدافه الذاتية بإبداع منقطع النظير حتى يتراءى أمام الناظر في قالب أشواق الجنوبيين والحركة الشعبية معاً!! { وقد تكون مزايا المدرسة السينمائية، التي تتبنى مفاهيم وعناصر التفاعلات الدرامية وجاذبية الوصفة والمؤثرات الإيحائية، نقطة ارتكاز تعضّد رؤية باقان أمام النخب الجنوبية المختلفة حول جدوى الانفصال وقيام الدولة الجنوبية المستقلة. ومن هنا قد يتأطر دور باقان المتعاظم في خلق إعصار كثيف لتغليب الانفصال على الوحدة من وحي الإبداع السينمائي الذي يمارسه في مواقفه السياسية حول قضية تقرير المصير. { وقد أطلق باقان أولى إنذارات الانفصال وهو يستخدم أسلوبه الساحر السينمائي عقب توزيع اتفاقية تقاسم الثروة مع المؤتمر الوطني التي قضت بالمناصفة في أموال البترول بين الشريكين، وذكر قولته المشهورة وهو يشتط غضباً بأن المواطن الجنوبي سيقف مع خيار الدولة المستقلة في استفتاء 2011م حتى يسترد حقوقه في أموال البترول بنسبة (100%). { وقد ظل باقان دوماً يرمي شكوكه بشأن توزيع حصة عائدات النفط بين حزبه والمؤتمر الوطني ويتهم الأخير بابتلاع الجزء الكبير من الكعكة ويؤكد بأن جماعة المؤتمر الوطني (يطفئون اللمبة) عند تقسيم إنتاجية البترول!! وعطفاً على ذلك فإن باقان هو صاحب نظرية رتق نسيج المجتمع الجنوبي وإحداث التمازج والاحتكاك بين قبائل الدنيكا والنوير والشلك والاستوائيين في سبيل إيجاد عنصر التوحُّد والهيبة لدولة الجنوب المرتقبة، بخلاف ذلك فقد كان من أبرز المدافعين عن أحقية الحركة الشعبية بافتتاح برامج البعثات الدبلوماسية وإقامة التعاون العسكري الخارجي في سياق التمدد من وراء الحدود!! وهو الذي وقف وراء قرار الاستغناء عن خدمات شركة الاتصال السودانية لصالح شركات الاتصال اليوغندية خوفاً من احتمالات المراقبة والتجسس على حراك حزبه من المؤتمر الوطني!! { وهاهو باقان، بأسلوبه الاستعراضي في دغدغة المشاعر، يرسم صورة وجدانية على بساط الأوتار الحساسة في سياق الابتعاد عن الشمال صوب دولة الجنوب الوليدة التي تحتضن البترول والمساحات الزراعية الواسعة وأموال المانحين والانتصار للثقافة الزنجية وإرث القبائل النيلية والاستوائية، يطلق إنذاراً مجلجلاً مفاده بأن برلمان الجنوب سيصوِّت للاستقلال إذا حدث تلكؤ من جانب المؤتمر الوطني حول ترتيبات عملية استفتاء تقرير المصير!! { وفي السياق ينجرف الفريق سلفاكير رئيس الحركة الشعبية حول اطروحات باقان قائلاً بأن الحديث عن الوحدة لعب في الزمن الضائع (أجراس الحرية بتاريخ 22/5/2010م). بل إن باقان يزداد حضوراً بمعايير القائد السياسي الجذاب والمسؤول الصلب الذي لا يتهاون في حقوق أهله من منطلق الهيام نحو الانفصال كورقة للخلاص من سلاسل استغلال الشماليين وهو يعلن بأن ديون السودان التي بلغت (34) مليار دولار سفكت دماء الجنوبيين ولن نتحمَّل مسؤولية سدادها على حساب المواطن الجنوبي، مبيناً بأن هذه (ديون دموية) على حد تعبيره وليس لها علاقة بحق تقرير المصير في الاستفتاء المقبل في الجنوب. وفي السياق لم يتورّع باقان في الإفصاح لجريدة (الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 8/5/2010م) بأن الانفصال هو أيضاً البديل إذا خسرت الحركة الشعبية العلمية الانتخابية!! { إذا كان البرق يخطف الألباب والأبصار في الليلة الخريفية فإن مسوِّغات الانبهار بالأفكار والرؤى ترتكز على الإحساس بالقلق والشعور بالموهبة الإدراكية الباطنة في حسابات سوق المنطق والمحاججة لذلك نجد النخبة الجنوبية داخل وخارج الحركة الشعيبة كأنما انساقت وراء مخيّلة باقان الانفصالية. وبالفعل طالب دينق ألور بنقل ملف الاستفتاء حول تقرير المصير للأمم المتحدة خوفاً من محاولات المؤتمر الوطني الالتفاف حول الموضوع. وزاد الور بقوله لأبد أن تترك مسألة التأمين على الاستفتاء لشرطة ومخابرات الجنوب!! وعلى الصعيد يطالب أتيم قرنق بقيام نظامين لحكم السودان حتى إذا جاءت نتيجة الاستفتاء لمصلحة الوحدة على أن يتم الاتفاق حول الملامح لحكم العاصمة الوطنية على غرار النتيجة. { وتكتسب اللوحة بُعداً جديداً في دفتر الكيمياء السياسية عندما يطابق الشخصية الجنوبية الشهير الأستاذ بونا ملوال، وهو في الضفة المقابلة للحركة الشعبية، رؤى ومفاهيم باقان حول الانفصال حيث يذكر بونا ملوال قائلاً: «على الشماليين أن يأخذوا مطالبتنا بالانفصال بجدية. أنا وكل الجنوبيين نأخذ خيار الانفصال بجدية»، إلى أن يفصح بونا متسائلاً: «من الذي أعطى الشماليين الحق لحماية الجنوبيين من أنفسهم»؟! { وبعد فإن النتيجة المنطقية تؤطر بأن القائد باقان أموم كان مدهشاً وغليظاً وشجاعاً وهو يبني قناعاته الكاملة حول عدم جدوى الوحدة في الشمال تقابله رؤية مماثلة في الشمال بشأن خطل التعايش بين الجنوبيين والشماليين. وليست مندوحة في أن يجاهر السياسي بأطروحاته من منطلق أنها في خدمة التنظيم والجماهير والبرنامج. ولقد كان باقان ينتهج الأسلوب السينمائي في تغليب الانفصال على الوحدة وقد أبدع في ذلك من وجهة نظري!! حتى أضحت الوحدة الجاذبة عند الغالبية كعصفور مكسور الجناح فقد القدرة على التحليق والزقزقة!!