إلى صاحب الملاذات الآمنة بصحيفة «الأهرام اليوم» الأخ: أبشر الماحي ظلت مدينة الدويم حاضرة ولاية النيل الأبيض التي اتخذت من التمساح رمزاً وشعاراً للمعتمدية والمحافظة منذ الاستقلال، وتمتد مشاريعها الزراعيّة المرويّة حتى تخوم كردفان.. ظلت هذه المدينة تعاني سنوياً لمدة أربعة أو خمسة شهور من شح المياه، وإن وجدت أحياناً فهي غير صالحة لشرب الإنسان، ففي مثل هذه الأيام من أواخر مايو يُقدم الماء للضيوف فيعتقدون أنه عصير (ليمون)، وفي يوليو تقدم المياه على أنها شربات (عرديب)، ومن أغسطس حتى أواسط أكتوبر يقول ضيفنا: (ياسلام.. تبلدي)، وقبل أن يشرب يكتشف الحقيقة عن طريق أنفه .. رغم أنفه!! ومن باب (شر البليّة ما يضحك) دعوني أحكي هذه الطرفة، فقبل أعوام مضت في مثل هذه الأيام - (أيام الليمون دخولاً على موسم العرديب) - كنا حضوراً في مأتم عمٍّ لنا، وكان عمنا المرحوم «خوجلي محمد حسن» قد حضر من الخرطوم للعزاء، فدار الحديث حول موضوع المياه وكثرة رحلات عربة المستشفى (الإسعاف) تحمل المصابين بالفشل الكلوي إلى الخرطوم، فقال أحد الحضور: (والله ياجماعة باختصار كده.. أي واحد من الدويم بطنو فيها طوبه).. فرد عليه العم خوجلي: (ياراجل طوبة شنو؟ على الطلاق أربعة من الدويم يبنوا بيت)..! { انعكس اهتمام السلطات بإنشاء مستشفى تخصصي لعلاج أمراض الكلى بالدويم، أنفقت في تشييده مبالغ مقدرة، وتتحمل مصروفات التشغيل من مرتبات وأدوية ومعدات وكل المعينات اللازمة، والمستشفى حالياً يعمل بجد ومثابرة مستمرة منذ حوالي أربع سنوات، بينما لم تهتم السلطات (بعد) بتنقية المياه، مع أن الماء هو مصدر الداء وأس البلاء. بالنسبة لفاتورة مياه الشرب، فالمواطن بالدويم يدفع بزيادة تصل إلى حوالي 30% من أي مواطن بأي مدينة أخرى، والفاتورة بواقع (المنزل) وليست بواقع (الاستهلاك الفعلي)، وبذلك أصبح الظلم بيّناً، فالمواطن بالدويم يدفع أكثر ولا يحصل على شيء، لأن المياه لا تصل، وإن وصلت قد يتردّد في استخدامها للشرب ولو (مجاناً)، وأصبحنا في الدويم نشتري المرض.. أقصد الماء، ثم نشتري الدواء..! وعند الحديث عن مشاكل الخدمات بالدويم نذكر بالخير أبناء الدويمبالخرطوم الذي يبذلون الجهد والوقت والمال، ولسان حالهم يقول: (حب الوطن موروث)، لكني أقول لهم وللذين يسافرون من الدويم للخرطوم للمساعدة، أقول: كفاكم استشفاعاً لدى المسؤولين والميسورين.. أرفعوا الأمر للوالي الجديد المنتخب ديمقراطياً من قبل أهلكم بالدويم وضواحيها، ومن نتوسّم فيه كل خير، ليس لأنه من أبناء الدويم، فقد قال الرجل في أول خطاب له إنه (زول حق) وليس لديه معايير حزبيّة أو قبليّة ولا جهويّة، ومشكلة مياه الدويم ليست مستعصية الحل، إلا أنها مشكلة ذات أهمية خاصة وخطورة بالغة تتصل مباشرة بصحة وحياة الإنسان (وجعلنا من الماء كل شيء حي) ونحن في بداية هذا العهد (الديمقراطي نسبياً) نسأل من اخترناهم ماذا فعلوا لحل مشاكلنا؟ كما أن الواجب والضمير الإنساني يسأل ويلاحق المسؤولين، ولا أظنهم يغضون الطرف عن مشكلة تهدد حياة الإنسان، على أن يظل الجهد الشعبي احتياطياً للجهد الرسمي متى ما بدأ العمل من جانبه، حسب الإمكانات المتاحة، وعلى أن يكون ذلك بالسرعة اللازمة قبل ارتفاع منسوب النيل. حسين جعفر حسين عمران الدويم { من المحرر: «وننكِّت مع ناس بحر ابيض» طالما هم بدأوا هذه النكات، ومن البلية مايضحك، قيل أن الشاعر ود الرضي لما أنشد قصيدته الشهيرة تلك «من الأسكلا وحلّ»، جاءه أهل الفشاشوية محتجين بأنه لم يذكرهم في قصيدته، فقال لهم: لم أنسكم وذكرتكم، ألم أقل: (عاد لاحول لاقوّه حبيبنا الليلة في الكوة»؟ قالوا: نعم، فقال: «لاحول لاقوة ما إنتو ديل ذاتكم) وبدا أن الرجل قد وجد مخرجاً طريفاً، ولكننا في مؤسسة الملاذات الجناح الولائي نتساءل: فلئن سقطت الفشاشوية سهواً من ذاكرة الشاعر ود الرضي، فهل في المقابل، قد سقطت الدويم من ذاكرة المركز؟، وهي الأم الرؤوم التي يجب أن تُقابل بالوفاء والعرفان، فلئن أسقط القوم قيمة (قم للمعلم وفِّه التبجيلا)، فعلينا في هذه الحالة أن نقيم عليهم «مأتماً وعويلا». هكذا تسافر ملاذاتنا مع ود الرضي مع بشريات فصل الخريف، ولكنها أيضاً تنتحب معه (ودمعي للثياب بله)، تنتحب لحالة النسيان والإهمال التي تطال تلك المدن التاريخية مثل الدويم وأخواتها.. والذي أعرفه أن (بحر ابيض) تحتاج لثورة نهضوية باهظة، وأرجو أن تكون على يد الرجل الشنبلي .. والله أعلم