نقول لك أولاً هنيئاً لك بالفوز والفلاح والنجاح، وما نلته من أصوات في الانتخابات الأخيرة حدث غير مسبوق في تاريخ السودان، وإن دلَّ ذلك على شيء فإنه دلالة على ثقة مطلقة. ونقول لك ثانياً إن ما نلته من أصوات ليس تشريفاً فقط، ولكنه تكليف بمهمة قيادة هذه الأمة المسلمة إلى بر الأمان وتطبيق شرع الله فيها، فهذا النصر ما هو إلا اقتناع الجماهير بنهجك الإسلامي، فهذه الشجرة التي نتفيأ ظلالها هي رمزك ورمز المؤتمر الوطني، نتمنى أن «تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ». ونحن نتفاءل باسمك، عمر، لتكون أحد العمرين: عمر بن الخطاب أو عمر بن عبد العزيز، وعليك بقراءة سيرتهما، وأن تتشبه بهما، فإن التشبه بالرجال فلاح، فعمر بن الخطاب يقول: (لو عثرت بغلة في العراق لحسبت أن الله سائلني عنها، لماذا لم أسو لها الطريق؟). ونحن الآن نتعثر في شوارع الخرطوم وفي السوق العربي قلب الخرطوم النابض، ونرجو من الوالي الهمام أن يولي عنايته لقلب الخرطوم قبل أطرافها. فاسمح لي يا زعيم السودان ببعض النصائح التي أختصرها في نقاط: {أولاً: الترهل الإداري: إن بالسودان 27ولاية و27 مجلساً تشريعياً و27 مجلس وزراء، فكم تحتاج هذه الولايات من ميزانية لتسيير دفة الحكم؟ وكم عدد المستشارين ووزراء الدولة؟! وكم عدد البدلات والمرتبات والسيارات والجوالات المدفوعة القيمة مقدماً؟ والله أظن أن هذه المنصرفات لا تقدر عليها غير الولاياتالمتحدة. فلنرجع إلى الوراء وننظر كيف أدار الإنجليز السودان لمدة خمسين عاماً، فقط بثلاثة إداريين هم: 1/ السكرتير الإداري. 2/السكرتير المالي. 3/ السكرتير القضائي. وكانت الميزانية تراجع الساعة الثانية عشرة ظهر كل يوم، وكانت هناك تسع محافظات وكل محافظ يعاونه ضباط إداريون وسار العمل الديواني كالساعة، وتركوا لنا خدمة مدنية كنا نفخر بها على بقية العالم، فأين هذه الخدمة المدنية الآن؟ وحسب علمي أن أول وزارة تم تكوينها في السودان كانت من خمسة عشر وزيراً، وحسب علمي كذلك أن رئيس الجمهورية له 18 مستشاراً، أكثر من عدد وزارات أول حكومة في السودان؟! { ثانياً: التبذير والإسراف: إن الله يقول في كتابه العزيز «إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا» (سورة الإسراء27)، وقد ابتليت دولتنا بالصرف البذخي والإسراف الذي لا حدود له ففي المباني أصبحنا نشاهد أبراجاً كناطحات السحاب وكأننا دولة خليجية، وفي السيارات تجد كل الأنواع بما فيها (الهمر) تجوب شوارع الخرطوم، وفي الإنفاق على المؤتمرات بلغ الأمر فيها أرقاماً خرافية، وفي عام واحد أقمنا ثلاثة مؤتمرات عالمية: قمة عربية، وقمة أفريقية، وقمة باسفيكية، فماذا جنينا من هذا الصرف؟ هل يا ترى هو طلب الشهرة؟ وهل دولة كالسودان تشكو الفقر والجهل والمرض بحاجة إلى كل هذا؟ أما كان الأجدر بنا أن نقضي على الأمراض المستوطنة كالسل في شرق السودان والملاريا في شمال السودان والجوع في جنوب السودان؟!! أيها الرئيس، إن الله سائلك عن كل هذا. أما إذا جئت للمرتبات؛ فلم تعد هناك وزارة كالإصلاح الإداري تعالج شروط الخدمة، فكل مصلحة أو وزارة هي دولة كاملة تعطي أناساً بالملايين وآخرين بالملاليم، ولغياب وزارة الأشغال التي تم حلها في عهد الإنقاذ فإن كل وزارة تبني ما تشاء وتصرف كما تشاء دون حسيب ولا رقيب، وقد نما إلى علمي أن وكيل وزارة (صان) مكتبه بمبلغ مائة مليون، و(صان) الكافتريا التابعة للوزارة بمائة وخمسين مليوناً، أما الصرف على الأثاث الذي يستورد من خارج السودان فحدث ولا حرج، في الوقت الذي تشكو فيه البلاد من الفقر والجوع والمرض؟!! { ثالثاً: العطالة وما أدراك ما العطالة: والله إنها لمشكلة كبيرة والدولة مسؤولة عنها بلا شك، فعدد الجامعات بلغ الخمسين، وعدد العاطلين من الخريجين بلغ الملايين، ناهيك عن غير المتعلمين، ولا أقترح أن يتم توظيفهم كلهم، ولكن حسب علمي فإن ميزانية العام المنصرم لم يكن فيها بند توظيف، وميزانية هذا العام خلت كذلك من بند التوظيف، فهل تعلمون أن الرئيس حسني مبارك وعد جماهير الشعب المصري أنه إذا أعيد انتخابه فهو ملتزم بتشغيل خمسة ملايين؟!! ونحن لا نطمح في رقم كهذا ولكن إذا لم تتمكن الدولة من توظيف العاطلين فعليها أن تعمل مشاريع وتوزعها للخريجين. وكما يعلم الجميع فإن وزارة الزراعة قامت بمنح شخص واحد مليون فدان، أما كان الأجدى أن يوزع هذا المليون فدان على مائتي ألف أسرة بواقع خمسة أفدنة لكل أسرة أو لكل خريج، وأن تقوم البنوك بدعم هؤلاء الخريجين؟ إن الشريف الهندي في عهد الأحزاب حاول علاج هذه المشكلة التي لم تكن بمستواها اليوم، فقال له الديوانيون ليس هناك بند لتشغيل الخريجين، فأحدث بنداً سمي بند الشريف الهندي، ووظف به كل العاطلين، في وقت لم تكن للحكومة ميزانية تعادل 1% من ميزانية الحكومة اليوم. إن الخريج ليشعر أنه مطالب بتقديم مشاركته في الدولة التي علمته، وعندما نحرمه من الإسهام فإنه يصاب بالإحباط ويفكر في الهجرة حتى إلى إسرائيل طالما أن بلده لم يمنحه حق الإسهام أو المشاركة. { رابعاً: التعليم: إن التعليم في عهد الإنقاذ يا سيادة الرئيس، تدهور، والتعليم العام على الأخص وإن مؤتمرات التعليم التي عقدت في السابق وغيرت المناهج إلى عشرين مقرراً في الأساس؛ جانبها الصواب وجاءت بما لم يأت به الأوائل، وإن التعليم في عهد الإنجليز أفضل من الآن، وإن التعليم في الستينيات والسبعينيات أفضل من الآن، فأرجو تقديم النصح لإعادة السلم التعليمي إلى 12سنة وإعادة المناهج إلى سابقتها، والاهتمام بسبعة مقررات أساسية وإذا أردنا أن نصلح شأن التعليم فلننظر إلى جيراننا، فإن مقررات دول الخليج أفضل من مقرراتنا، ومقررات كوريا وسنغافورة الأفضل عالمياً، وتليها اليابان، وتأتي الولاياتالمتحدة في الدرجة الرابعة، فإذا أردنا أن نتطور فلننظر أين انتهى العالم! لا أن نأتي بتجربة فجة ونأتي من كل نبع بقطرة، ومن كل بستان بزهرة، وحسب علمي أن كثرة المجتمعين لا تورث إلا خراب، والمثل السوداني يقول: (بليلة الكثيرين ما بتفور)، فعلينا أن نكلف من نثق به في كل منهج ليعد لنا هذا المنهج، ومراجعاً ليراجع لنا هذا المقرر. أما الجامعات فثورة التعليم اهتمت بالكم وأهملت الكيف، وجامعاتنا الآن وصل مستواها إلى درجة مزرية، وهي في حاجة إلى أساتذة ومكتبات ومعامل، وحسب علمي أن ببعض الجامعات في الأقاليم خريج البكلاريوس هو الذي يدرس البكلاريوس وهناك عدة مئات من حملة الدكتوراه عاطلين، ولا تملك الجامعات ميزانية للتعيين لأن وزير المالية لا يصدق لها بالتعيين! وعدد الأساتذة حملة درجة البروفيسور أو الأستاذ المشارك تم الاستغناء عنهم بالعشرات عن طريق المعاش، والجامعات أحوج ما تكون إليهم، أما كان الأجدر الاعتناء بهم لدعم هذه الجامعات الخاوية؟ أما كان أجدر بالدولة أن تنشئ مراكز أبحاث وتجعلهم يتفرغون للبحث العلمي، ولماذا لا نستفيد من تجربة اليابان التي لا تعرف شيئاً اسمه المعاش، فطالما أنت قادر صحياً على أداء عملك فأنت تستمر فيه حتى ولو بلغت المائة، فكل قادر على العطاء لماذا لا نتركه يؤدي دوره؟ وكم من السنين نحتاج لنحصل على أستاذ بدرجة بروفيسور؟ وكم يأخذ أستاذ الجامعة معاشاً؟ للأسف الشديد إن معاش الأستاذ الجامعي بعد ترك الخدمة هو 183 جنيهاً فقط، ومكافأته هي في حدود عشرة آلاف، بينما مكافأة آخرين تبلغ عشرات الملايين؟ فلماذا الكيل بمكيالين في دولة واحدة؟ شيء أخير بالنسبة للجامعات يا سعادة الرئيس، هو مشكلة النظام العام والملبس الشرعي، فالجامعات أهملت الزي الشرعي وأصبح اللبس الذي تلبسه العديد من الطالبات غير شرعي، وفيه تبرج صريح ولا حياة لمن تنادي، وحسب علمي فإن في عهد الوزير إبراهيم أحمد عمر كان هناك التزام في الزي، ولا يسمح لأي طالبة لا تلتزم به بالدخول إلى حرم الجامعة حتى تغطية الرأس كانت إلزامية حتى للمسيحيات، وعندما نوقش الوزير في ذلك، قال لهم إن مريم العذراء تغطي رأسها فمن باب أولى عليهم بتغطية الرأس. فالجامعات أهملت هذا الأمر وعلى رأس الدولة التوجيه بالزي الإسلامي، فالثوب السوداني أو العباءة هي الساترة أما الملبس الذي نشاهده اليوم فهو يشف ويصف، كما أن استخدام الروج فيه شيء من المبالغة، فكل ما نريده من الطالبة أن تتوضأ وهي خارجة من البيت أي أن تغسل وجهها بالماء. { خامساً الفساد: يقول الشاعر: متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟ فللأسف الشديد إن الفساد باض وفرخ في دولة السودان والرشوة والمحسوبية بلغت درجة مزعجة والاختلاسات لا يمكن إحصاؤها، وضج الناس وصاح المراجع العام بالصوت العالي وأعلن عن الاختلاسات بل إن بعض المصالح لم تراجع حساباتها لعدد من السنين وبعضها لا يسمح حتى للمراجع بمراجعة حساباتها! ما هذا الذي يحدث في دولة السودان يا سيادة الرئيس؟ فعليك أن تتدخل وتستخدم سلطاتك في أن يلتزم الجميع بالقانون فليس هناك كبير في هذه الدولة فوق القانون. سبق أن زاملني القاضي الشهير الدكتور المكاشفي في جامعة الملك سعود بعد نهاية حكم نميري وسألته عن تطبيق الحدود وخاصة ما أثير حول قطعه يد محاسب مدرسة وادي سيدنا لأنه اختلس من المال العام، فأجابني أنه استند إلى حجج شرعية وآراء الإمام مالك في هذا وأنه بعد قطعه يد هذا المحاسب رجعت مئات الملايين لخزينة الدولة، فكل من اختلس مالاً تحسس يده ففضل أن يعيد المبلغ حتى لا تقطع يده، والحدود الإسلامية عندما تم سنها الغرض منها كان هو الردع، وبمجرد أن أجيز أن لا قطع في المال العام، وجدنا الناس يختلسون بالمليارات، وليس بالملايين، فهلا أرجعت سيدي الرئيس القاضي المكاشفي ليزاول عمله القضائي حتى يتحسس المختلسون أياديهم ويرجعوا لنا المليارات المنهوبة من البنوك ومن خزائن الدولة؟! فكيف نتحدث عن المشروع الإسلامي وبلدنا مصنفة من الدول الفاسدة بل تحتل الدرجة الرابعة بعد أفغانستان والعراق، والله إن هذا مما يخجل ولا يشرف، وليس الفساد المالي وحده فإن الفساد الأخلاقي وصل مستوى مريعاً وإن نسبة الإيدز في السودان وصلت إلى درجة مخيفة، وأنت مطالب سيدي الرئيس بمعالجة الفقر والمرض والجهل. { سادساً: تكوين الوزارة: أيها الرئيس، أنت المسؤول أمام الله عن المشروع الإسلامي وعن الحكم بالعدل ورد الحقوق لأصحابها ولنرجع لخليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقد عاهد الناس وقال لهم عند توليه: (لكم علي ألا أجتبي شيئاً من خراجكم ولا ما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، ولكم علي إذا وقع في يدي ألا يخرج مني إلا في حقه ولكم علي أن أزيد عطاياكم وأرازقكم إن شاء الله وأسد ثغوركم، وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال)، كما قال:(ألا وأني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم، إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف). اما العمال فقد كان يختارهم من الأمناء الزهاد المعروفين بإيثار المصلحة العامة، على مصالحهم الخاصة، والمشهود لهم بالتعفف عن أموال المسلمين. وهكذا نريد يا عمر أن تختار حكومتك من (التكنوقراط) أي الفنيين أي (القوي الأمين) (العفيف) على مستوى السودان، ووزير الصناعة يجب أن يكون الأعلم والأقدر بوظيفته مع الأمانة، ووزير الزراعة يجب أن يكون من الخبرات المشهودة والمعهودة وهكذا في كل مرفق، وحينها سينطلق السودان إلى العالمية، والمعروف عن الوزارات السابقة أنها كانت مبنية على الولاء لا على الكفاءة ولذلك أخفقت كثير منها، فعليك أن تبعد نفسك من البطانة الفاسدة وتولي بطانة صالحة ولا يصدق علينا قول الشاعر: كل أمرئ في السودان يحتل غير مكانه فالمال عند بخيله والسيف عند جبانه والمرء ليس بأصغريه قلبه ولسانه ولكن بريائه ودهائه ودهانه إن المسؤولية عليك عظيمة، وأنت أهل لها، وقد اختارك الشعب لتكون ربان سفيتنه، وكلنا أمل أنك ستوصلها إلى بر الأمان، مستعيناً بنخبة من المخلصين العفيفين الزهاد الأتقياء العلماء الأكفاء بعيداً عن المنافقين. ألا هل بلغت فاشهد،،،، {الأستاذ المشارك للتاريخ الإسلامي - جامعة النيلين