الصحفي الممتاز هو الذي يتناول موضوعاً يهم كل الناس، والصحفي المبتكر هو الذي يكتب عن شيء لم يتطرّق إليه أحد، وهكذا صحيفة (الأهرام اليوم) فقد حازت وسام التفوُّق المشهود، وهي تمازج في سلاسة بين الامتياز والابتكار وبكل تأكيد نرجو لها دوام التألق والسير على هذا المنوال الذي يكسبها إحترام الجماهير، وبالتالي يؤهلها للريادة والصدارة خاصة وهي تلتقط القفاز على مستوى الصحافة السودانية وتنفرد بهذا الحوار التأريخي والمهم مع مولانا السيد محمد الحسن الميرغني عضو المكتب السياسي والهيئة القيادية وأمين التنظيم بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل. ولقد اشرأبت العقول وتطلعت الأفئدة إلى مثل هذه الأحاديث الدافئة التي تنضح بالحكمة والوعي السياسي المتقد والمتقدم وهي في تقديرنا حاسمة وحازمة في زمن التهافت الرخيص والمريض نحو الاستوزار والتقارب مع المؤتمر الوطني الذي قذف بالبلاد وشعبها في محيط الأزمات اللُّجِّي. نعم في مثل هذه الظروف العصيبة جاءت زفرات السيد الحسن حرّى وأرجو أن تكون قد شفت صدور قوم مؤمنين من اتحاديين وغير اتحاديين، بل أحسب أنها قد وقعت على نفوس الجماهير كالبسلم الشافي فأرسلت الاطمئنان لكل جماهير الشعب السوداني أن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل على عهده لانكوص ولا رجوع ولامصالحة ولاتقارب ولاتحالف مع المؤتمر الوطني ولا مشاركة في الحكومة القادمة. حقيقة لقد تواترت لديّ معلومات ثرة ومبشرة بكل خير عن مولانا السيد محمد الحسين الميرغني منذ أن كان طالباً بالمرحلة الجامعية، وقد كان ذلك من منطلق اهتمامي الأكيد بالسادة المراغنة وارتباطنا التاريخي بهم الذي ورثناه أباً عن جد وكابراً عن كابر، ومن ذلك الحين فقد تخلّقت في خاطري صورة ذهبية مشرقة عن مولانا السيد محمد الحسين الميرغني خاصة وهو جزء من أسرة تمثل امتداد لآل البيت النبوي الكريم، وقد ساقتني أقدار السماء أن ألتقيه عياناً بياناً في ليلة تأبين الحاج مضوي بقاعة الصداقة بالخرطوم وقد جاء بمعيته يومها السيدين حاتم السر على وصلاح سر الختم، وقد كان مولانا محمد الحسن والحق يُقال متواضعاً وهادئاً وودوداً، لاتفارقه ابتسامة وانشراح ووقار يرسل الحبور الذي يعكس سماحة وتسامح أهل التصوُّف وأريحية القيادة الواثقة بالله والبارة بشعبها والمتوثبة نحو المستقبل الوضئ، وقبل أن أفيق من تأملاتي في حضرة مولانا الحسن فقد داهمني الأخ حاتم السر في أخوّة حانية:(كنا يا فتح الرحمن نسمع صوتك بوضوح عندما كنا بالخارج أين أنت الآن)؟! وكنت أدرك أنه يحرضني على الكتابة!! إن الحقيقة الباقية هي أن الحزب الاتحادي الديمقراطي ظل عند النائبات التي تحيق بالبلاد يقدم طلائع النضال والمقاومة ضد كل ألوان وأشكال الاستبداد والتسلُّط والجبروت، ومسيرته الوطنية عامرة بالمنافحة والكفاح ضد الاستعمار الأجنبي والأنظمة الشمولية، وصحائفه مرصّعة بالانتصارات الغالية سواءً كان ذلك في معركة التحرير والانعتاق في 1/1/1956م أو في هندسة الانتفاضات الشعبية في 21/أكتوبر/1964م أو في أبريل 1985م، نعم لقد كان حزبنا يمثل رأس الرمح والرحى في كل هذه الأحداث المفصلية في تاريخ البلاد، وبالأمس القريب عندما وقعت نازلة30يونيو 1989م فقد كانت قيادة حزبنا ممثلة في مولانا سيد محمد عثمان الميرغني سبّاقة في مطالبة جميع قادة الحركة السياسية بالبلاد للتوافق حول تكوين نواة للتجمع الوطني الديمقراطي من داخل سجن كوبر بهدف مناهضة الأوضاع الشمولية التي قامت على أنقاض التطبيق الديمقراطي الثالث ليضطلع بتنظيم وتفعيل المعارضة السودانية في الداخل والخارج والعمل على تحقيق الأهداف الوطنية في الحرية والديمقراطية والرفاهية والرخاء والعدل، وهكذا فقد قاد الزعيم الميرغني جميع شعث المعارضة بحنكة واقتدار ومن نجاح إلى نجاح وذلك بفضل حكمته وسعة أُفقه وتوجُّهه القومي وقد أشاد به الجميع بما فيهم المبعوث الأمريكي الأسبق (دانفورث) وللتاريخ فقد كانت تجربة التجمع الوطني الديمقراطي ناجحة ورائدة ومن إنجازاتها التاريخية نيفاشا وأبوجا والقاهرة وأسمرة وحتى جيبوتي كان لزخم التجمع الوطني دور ملحوظ فيها وعندما تم توقيعها كان حزب الأمة القومي يشغل منصب الأمين العام لكيان المعارضة، وقد وضعت هذه الاتفاقيات أساسيات السلام والتحوُّل الديمقراطي ووضعت أُطر قانونية واضحة لرعاية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ورد المظالم وإصلاح القضاء والخدمة المدنية، ولكن من مظاهر ضعفها بما فيها نيفاشا تعدد مسارات التفاوض التي اتسمت بالثنائية ولكن فلسفتها المشتركة كانت تهدف إلى تفكيك الشمولية ونظام الحزب الواحد الذي تمددت آثاره الضارة لتشمل كافة أجهزة ومؤسسات الدولة ومرافقها العامة والخاصة، بالإضافة للتحوير السياسي للخدمة المدنية وكل فئاتها النقابية، حتى أصبح الوضع السياسي بالبلاد مأزوم وإلى درجة الإنفجار في أي لحظة نتيجة لهذا الإحتقان بسبب الاستقطاب السياسي الحاد بين الحكومة والمعارضة من جهة، والحكومة والأسرة الدولية من جهة أخرى، وهنا مكمن الخطورة التي لا سبيل لتجاوزها سوى إعادة الأمر للشعب السوداني وعدم الركون لنتيجة الانتخابات الأخيرة التي تحاصرها الشبهات من كل الجوانب، فالبلاد الآن تسير بخطى متسارعة نحو التشظي والضياع والأسباب الحقيقية التي قادت البلاد إلى هذه المرحلة من الخطورة وتعقيد الأوضاع وتأزيمها في تقديرنا هي أولاً تعدد منابر التفاوض، وثانياً الرحيل المفاجئ للدكتور جون قرنق زعيم الحركة الشعبية والجيش الشعبي، وثالثاً العقلية التي فاوضت من جانب النظام كانت منطلقاتها الاحتواء وتفتيت قوى المعارضة ومحوها من الوجود إلى الأبد وذلك باللجوء بسوء قصد للعبارات الفضفاضة للإلتفاف على المعارضة عند التنفيذ وانتهاج سياسة التمكين وذلك بإضعاف كل مكونات الساحة السياسة وإنهاكها بالصراعات الجانبية، نعم كل هذه الوقائع مجتمعة جعلت الوطن يسبح في بركة من الأزمات والتحديات الخطيرة على صعيد الوحدة الوطنية وعدم الإستقرار بتفجر بؤر النزاعات الأهلية كما في دارفور أو الشرق، حقيقة القوى المعارضة وفي مقدمتها الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل فقد استشعرت خطورة الأوضاع الراهنة ولذلك فقد أطلق مولانا السيد محمد عثمان الميرغني مبادرته للوفاق الوطني وهي المبادرة الوحيدة التي خاطبت جذور الأزمة الراهنة لجهة إنها تدعو النظام الحاكم للوفاء بالتزاماته الوطنية نحو كافة الإتفاقيات الموقّعة مع الأطراف السياسية الأخرى، ولكن بكل أسف فقد فشل بعض الزملاء بالحزب في إستيعاب ماهية هذه المبادرة وشمولها وسعة أفقها وما ينبغي أن تكون عليه!! الأمر الذي يجعلنا ندعي بأن مخالب المؤتمر الوطني قد أجهضتها من داخل أسوار الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، فالميرغني مقاتل مقدام ومناضل جسور تعوّد عبر عقدين ونيف من الزمان على المبارزة والصدام واقتحام الصعاب دون هياب أو وجل، وقد كان عضده القوي في تلك الفترة العصيبة مجموعة من الفرسان على رأسهم الأمين العام الحالي الأستاذ سيد أحمد الحسين الحاج موسي الذي برهن أنه زعيم وطني كبير وذلك من خلال جَلَده في تحمُّل التنكيل والتعذيب بشجاعة وتحدٍ وكبرياء أذهل النظام وأجهزته القمعية. نعم لقد كان مشهد صمود الأستاذ سيد أحمد الحسين في وجه الطغاة يشكِّل لوحة وطنية مشرّفة للحزب الاتحادي الديمقراطي وللشعب السوداني، وقد تعلمنا منها كثيراً من قيم ومعاني الوفاء والمثابرة. ونذكر من أولئك الفرسان أيضاً الأستاذ علي محمود حسنين نائب رئيس الحزب والحاج مضوي محمد أحمد عليه رحمة الله ومحمد إسماعيل الأزهري وعادل سيد أحمد عبدالهادي والتوم موسى هجو وجعفر أحمد عبدالله وعثمان عمر الشريف والأمير أحمد سعد عمر وميرغني عبدالرحمن الحاج سليمان والشيخ حسن أبو سبيب والدكتور منصور يوسف العجب والدكتور أبو الحسن فرح. إن الزعيم الميرغني في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ البلاد لا غنى له ولا للحزب الاتحادي الديمقراطي عن هؤلاء المناضلين الشرفاء، وهم وحدهم الذين في مقدورهم ترجمة كل الأهداف الوطنية التي يرنو لها الزعيم الميرغني والشعب السوداني، وأن التهميش الذي طال معظم إن لم نقل كل هذه القيادات القوية والمصادمة هو السبب المباشر الذي جعل الحزب الاتحادي الديمقراطي تعتري مسيرته الراهنة كثير من التجاوزات مثل مشاركته في الجهاز التنفيذي بموجب اتفاق القاهرة الضعيف، ثم خوضه للانتخابات الأخيرة الملغومة، ولذلك ظلت جماهير الحزب تتساءل في حسرة وأسى هل نضبت كنانة الحزب حتى يترك أمره لهؤلاء المنعمين والمهادنين بل نزعم أنهم متواطئين مع المؤتمر الوطني وكيف نستعيض أصحاب القعود بأصحاب النهوض؟، نعم هذه هي الأسباب التي فرضت علينا ضرورة التصدي للشمولية وللانهزاميين من أشياعها داخل حزبنا وهذا لتيار يريد الالتحاق بالسلطة ولكننا لن نتركهم ليعبثوا بالحزب وتاريخه المجيد وهو الأمر الذي أغضبهم فحرضوا علينا بعض بقايا مايو للنيل منا ولكن أقول لهم نحن قهرنا مايو وحتماً سنقهر بقاياها المأفونة وسنتصدى لبعض المندسين من مخالب المؤتمر الوطني داخل الحزب والشكر للأستاذ سيد أحمد الحسين الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الذي ألقم هذه الفئران حجراً وكذلك الشكر للأخ الصحفي القدير عبدالمنعم عبدالقادر وللأخ الاتحادي الصميم والقيادي بشير عباس أبوسوط وأقول ومن موقع المسؤولية بأن المشاركة في الحكومة القادمة ستكون باهظة الثمن والتكاليف وإنني كمشرف سياسي منتخب بمنطقة السلام وأريافها غرب أم درمان (الريف الغربي) بأننا لم ولن نسمح لأي محاولة للمتاجرة بتاريخ الحزب ومكتسباته الوطنية، ونعتقد بأنه بعد حديث الزعيم الميرغني للشرق الأوسط ونجله الحسين الميرغني والحسين وحسنين لاينبغي لأي كائن من كان أن يتحدث بعد ذلك عن المشاركة في الحكومة القادمة لأن التداول حول المشاركة في حد ذاته يعتبر تجاوز وخرق واضح وصريح لدستور الحزب ومبادئه وموقف قياداته العليا، لأنه في تقديرنا أن المكان الطبيعي للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل في ظل الشمولية هو المعارضة والتزام جانب الجماهير، وأن الهراء الساذج عن توحيد البرامج والعمل على تحقيق الوحدة عبر الاتفاق على برنامج الاستفتاء والحلول لأزمة دارفور بما يرضي أهلها وأزمة مياه النيل وإصلاح العلاقات الخارجية وغيرها تظل محاولات مكشوفة لخداع الجماهير وذلك بهدف المشاركة في الحكومة القادمة والتي حتماً ستشهد تشظي البلاد الأمر الذي يعتبر جريمة تاريخية في حق الوطن لن نسمع لأي كائن من كان أن يقود الحزب إلى هذه المواقف التجريمية بل سنقاوم خط المشاركة بكل ما نملك من أدوات شريفة، وإن اتهامنا بأننا جزء من مخططات المؤتمر الوطني هذا الحديث الأجوف والفطير لن يخيفنا إطلاقاً لأننا جئنا من رحم معاناة لجماهير ومن صومعة النضال الوطني الشريف استلهمنا تاريخ الآباء المؤسسين من الرعيل الأول ومزجنا ذلك بمعاصرة وملازمة المعتقين من عتاة المناضلين الاتحاديين مثل الحسين ومضوي وحسنين ومحمد الأزهري وعثمان الشريف وأبو سبيب وعجمنا كل هذه بالتضحية والنضال فسكبنا العرق وبذلنا الجهد وانطلقنا كالسهم دفاعاً عن راية الحزب الاتحادي الديمقراطي وقيادته التاريخية ممثلة في مولانا السيد محمد عثمان الميرغني ومن أجل هذا احتضنتنا معتقلات النظام، وهكذا فقد كانت جماهير منطقة السلام وأريافها غرب أم درمان (الريف الغربي) كريمة ومضيافة وهي تسبل علينا ثوب المسؤولية الوطنية كمشرف سياسي بالانتخاب عبر مؤتمر عام للحزب بالمنطقة مشهود شرّفه نائب رئيس الحزب الأستاذ علي محمود حسنين في ديسمبر2005م وهي بذلك قد أرست سابقة ديمقراطية جديدة في ساحة الحركة الاتحادية حيث أنها المنطقة الوحيدة التي انتخبت مشرفها السياسي عن طريق المؤتمر العام وهذا سبق تاريخي يشرّف كل الأحرار، نعم فتح الرحمن صديق جاء من تلك المضارب وسيظل وفياً لمبادئ الحزب الاتحادي الديمقراطي ومتعاوناً ومخلصاً لقيادة الحزب وسيظل سيفنا مشرع في وجه كل الانتهازيين والانهزاميين من دعاة المشاركة المزعومة حيث أنه ليس هنالك إنسان قويم يحترم قدراته الذهنية والعقلية يتطلع لمشاركة في نظام شمولي الوزير فيه مثل الخفير لا قرار له. وفي الختام أحيي كافة قيادات الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل والمناضلين على مستوى الحركة الاتحادية وفي مقدمتهم مولانا السيد محمد عثمان الميرغني والسيد الحسن والحسين وحسنين ونؤكد استمرار مسيرة الحزب النضالية حتى وإن سقط بعض الأفراد ونجدد دعوتنا لا وألف لا للتحالف مع المؤتمر الوطني أو المشاركة في الحكومة القادمة حتى لو كانت قومية، ويكفي المشرف السياسي للريف الغربي فخراً أنه كان ثالث ثلاثة الأمين العام ونائب الرئيس كانوا قد رفضوا منذ البداية توقيع اتفاقية القاهرة بهذه الشاكلة الركيكة والضعيفة ثم رفضوا المشاركة في الجهاز التنفيذي بموجب تلك الاتفاقية، ثم رفضوا خوض العملية الانتخابية الملغومة والآن يرفضون تماماً المشاركة في الحكومة القادمة مهما كانت المبررات وفي كل الأحوال فقد ثبت صواب هذه الرؤية الوطنية على الأقل فيما يختص باتفاق القاهرة والمشاركة في الانتخابات الأخيرة، وكان الأجدر بالحزب أن يحتفي بذلك ويرفع أسهم أصحابه لا أن يحاربنا بهذه الصورة المؤسفة ولكن نؤكد ونعاهد الجماهير أننا بعد اليوم لن نترك الإنهزاميين أن يختطفوا الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل لينفذوا التزاماتهم تجاه المؤتمر الوطني سليل الدكتاتورية القمعية القميئة فدون ذلك خرط القتاد فتح الرحمن صديق/المشرف السياسي للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الريف الغربي أم درمان