{ مازال المشهد المهيب عالقاً بذاكرتي منذ منتصف التسعينات، فالسيدة (الشابة) مديدة القامة، كانت تطل عبر برنامج (في ساحات الفداء) تنعى للناس زوجها الشهيد (الشاب) الدكتور «عوض عمر السماني».. كانت تتحدث وهي واقفة في وسط دار متهالكة مشيدة من الطين في قرية «المسيكتاب» ريفي شندي، وأصوات النساء ينُحن وينتحبْن.. والمرأة القوية تقف شامخة.. وطفلتها أو طفلها - لا أذكر - يمسك بأطراف ثوبها.. وهي تتحدث بصوت تخال أنّه سينفجر بعد برهة بكاءً لا ينقطع.. لكنها لا تبكي.. وتقول: (اخترنا أن يكون «عوض» معنا.. واختار هو أن يكون مع الله..)..!! طفرت الدموع من عينيّ.. لكنها لم تسقط.. وظلت أرملة الشهيد تتحدث ليبكي الناس.. لكنها لا تبكي.. إنّها «سعاد عبد الرازق» التي رزقها الله زوجاً من بعد الشهيد، يحسبه البعض من الصالحين.. «الزبير أحمد الحسن» وزير الطاقة السابق.. ثم ها هي الآن وزيرة للدولة بوزارة التربية والتعليم بموجب المراسيم الجمهورية الأخيرة..!! لم أرها منذ ذلك المشهد، لكنني كنت متيقناً أنها ستكون ذات شأن وشأو ذات يوم.. فتأخّر ظني سنوات.. إلى أن جاء يوم المراسيم.. مبروك للتربية والتعليم في زمن (التعليم البزنس) و(مدارس بيوت الإيجار)..! { الزميل «متوكل أبو سن» كتب خبراً بصحيفتنا قبل إعلان التشكيلة الوزاريّة فوجد حظّه من النشر قبل أن أطّلع عليه، وحوى الخبر معلومة «محرجة» مفادها أن الدكتور «عبد الوهاب عثمان» وزير المالية الأسبق من ضمن المرشحين لتولي منصب (وزير الدولة) بإحدى الوزارات..!! وفي الساعة الثانية صباحاً من اليوم التالي للنشر تسلمت رسالة (s.m.s) على الموبايل من الدكتور والعالم الكبير يقول فيها إن صحيفتنا أساءت إليه إساءة بالغة بنشر هذا الخبر. والحقيقة أنها إساءة بالغة لنا جميعاً، إذا كان د. عبد الوهاب عثمان .. أحد أشهر وأقدر وزراء المالية الذين تقلدوا هذا المنصب منذ الاستقلال.. قد قبل بعد سنوات من استقالته من منصب (أهم وزير) أن يعود (وزير دولة) بوزارة أقل شأناً..!! والذين يعرفون شخصية «د. عبد الوهاب» القوية والصارمة التي لاتخلو من الاعتداد الجميل بالنفس، وبالمناسبة ليس كل اعتداد أو اعتزاز بالنفس غروراً أو تعالياً على الآخرين كما يتوهم السذّج.. الذين يعرفون شخصيته لا يمكنهم أن يتخيلوا أن الرجل الذي قدم استقالته ثلاث مرات من وزارة المالية، فأعادوه بالإلحاح.. يمكنه أن يعود إلى وظيفة أقل بعد حوالي عشر سنوات..!! ويبدو أن الزميل الصحفي المميّز «أبو سن» قد خلط بين «عبد الوهاب عثمان» و«عبد الوهاب محمد عثمان» الذي تم تعيينه وزيراً للطرق والجسور، وحتى عبد الوهاب الصغير اختاروه وزيراً أولاً.. وليس وزير دولة. { يكفي «د. عبد الوهاب عثمان» أن الدولار ظل في عهده وبعده ثابتاً لا يتزحزح من مكانه لنحو خمس سنوات..!! ولا عجب فالسادة الدناقلة هم سادة الاقتصاد في بلادنا.