حاوره في الطينة - عبدالرحمن العاجب مني أركو مناوي، رئيس حركة تحرير السودان، ورئيس السلطة الانتقالية الإقليمية لولايات دارفور، وكبير مساعدي رئيس الجمهورية في الحكومة (السابقة)، شخصية سياسية لمع نجمها إثر اعتداء حركة تحرير السودان على مطار (الفاشر)، إذ ظهر الرجل في ذلك الوقت؛ في القنوات الفضائية والإذاعات في عام 2003م، وكان يشغل منصب الأمين العام بالحركة في ذلك الوقت، وبعدها أثار انتخابه رئيساً لحركة تحرير السودان في مؤتمر (حسكنيتة) الشهير في 2005م جدلاً كثيفاً، إذ أدى ذلك المؤتمر إلى انقسام حركة تحرير السودان إلى جناحين، جناح مؤيّد لمناوي، وجناح آخر مناوئ له، وداعم لرئيس الحركة السابق عبد الواحد محمد نور. «الأهرام اليوم» رافقت رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، في رحلته التي قام بها إلى ولاية شمال دارفور؛ لتفقّد قوّاته العسكرية بالميدان. وأجرينا معه هذا الحوار بمنطقة (الطينة) السودانية، على الحدود السودانية التشادية، في منتصف رمال (وادي هور) الذي يفصل بين البلدين، وطرحنا عليه العديد من الأسئلة، منها المتصل بتجربة حركة تحرير السودان، والخلافات والانقسامات التي حدثت بها، وفشل اتفاقية (أبوجا) في حل قضية دارفور، وعدم جدية الحكومة السودانية في حسم هذا الملف. تطرقنا فيه كذلك لمفاوضات الدوحة، ونظرته إلى حركة العدل والمساواة، وحركة التحرير والعدالة، واتصالاته بالحركات المسلحة الأخرى، وإمكانية التنسيق مع هذه الحركات. استنطقناه حول مصير (أبوجا)، وأثرنا معه القضايا المتعلقة بترتيبات الاستفتاء على حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان، وتأثيره على (دارفور)، إضافة إلى عدم تحول الحركة إلى حزب سياسي، وعدم إنفاذ بند الترتيبات الأمنية. استجلينا رؤاه حول تراجع الدور الدولي والإقليمي في القضية، والصراع (المصري القطري) في الملف الدارفوري، ونظرته إلى حال المعارضة السودانية. كل هذه الأسئلة، وغيرها، طرحتها «الأهرام اليوم» على رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، وأجاب عليها بكل أريحية، وقدم إفادات جديرة بالاطلاع، وكانت محصلتها هذا الحوار. هنالك بند مهم في اتفاقية أبوجا حتى الآن لم تتطرقوا إليه، وهو مسألة الاستفتاء على تحديد مصير إقليم دارفور، أن يكون ولايات أو إقليماً، ولماذا لم تتحدثوا عن هذا الجانب بشكل جاد، علماً بأنه موجود في الاتفاقية؟ - هذا الجانب مهم ولكن حتى الآن لم يأتِ الوقت الذي يمكن للناس أن يتحدثوا عنه. تحدثنا عنه قبل شهر وطالبنا بتكوين مفوضية للاستفتاء بالتشاور مابين (الوطني) وحركة تحرير السودان، وهنالك بنود كثيرة في (أبوجا) لم تطبّق حتى هذه اللحظة. وطبعاً أستطيع القول إن رغبة المؤتمر الوطني أنه يريد أن يلغي أبوجا ويأتي بلا شيء من قطر، ولكن نحن بالمرصاد، وسيأتي وقت للتحدث في هذا الشأن! وماهو رأيكم إذا قامت الحكومة بإلغاء اتفاقية (أبوجا) وأتت باتفاق آخر من الدوحة؟ - والله لكل مقام مقال. بصفتك الرجل الرابع في الدولة، قبل حل الحكومة الماضية، وملماً بتفاصيل مؤسسة الرئاسة، في اعتقادك ما مدى جدية الحكومة السودانية في حسم المسألة الدارفورية؟ - والله طبعاً هذا السؤال اذا أردنا أن نجيب عليه بالتأكيد نكون قد تدخلنا في شؤون المؤتمر الوطني. الإجابة الحقيقية عند المؤتمر الوطني نفسه. هل يريد أن يحقق السلام العادل ويشارك الناس في صنع القرار وغيرها من الأمور؟ أفتكر هذا سؤال إجابته عند المؤتمر الوطني ولكن الواقع هو هذا الذي يحدث! ألمحت من قبل الى عدم رغبتك في تولي منصب كبير مساعدي رئيس الجمهورية، ماهي الدوافع وراء ذلك التلميح؟ - لا، أبداً ليس هنالك دوافع؛ لأن منصب كبير المساعدين هو منصب نشأ بحكم اتفاقية (أبوجا) وهو منصب ملك لحركة تحرير السودان. أعضاء حركة تحرير السودان عليهم أن يختاروا شخصاً من بين أعضاء الحركة، ولذلك المنصب ليس مصمماً لمناوي بل مصمم لحركة تحرير السودان. من وجهة نظرك، لماذا تراجع الدور الإقليمي والدولي في حل قضية دارفور؟ - أبداً.. الدور الإقليمي والدولي لم يتراجع.. الدور الإقليمي والدولي حتى الآن موجود وهنالك مفوضون من قبل الرؤساء من مختلف الدول موجودون، وأيضا الأممالمتحدة حتي هذه اللحظة تقوم بتحركات واسعة جداً في إقناع الأطراف بالنسبة لحل مشكلة دارفور، وكذلك دول الجوار وغيرها. وأفتكر أن الوضع يسير بطريقة منظمة وبنفس (السيستم) الذي بدأوا به، ولكن هنالك تراجع داخلي، أنا أشعر أن هنالك تراجعاً داخلياً سواء كان من أطراف الصراع أو في الحراك الداخلي بالنسبة لقضية دارفور، الدور الدولي موجود حتى الآن وسيظل موجوداً، سيظهر أحياناً ويختفي أحياناً، والدور الدولي لم يكن دوراً واحداً؛ فالمواقف الدولية ليست منسقة؛ الصين لها موقفها والاتحاد الأوربي له موقفه والولايات المتحدة لها موقف وكذلك جامعة الدول العربية والدول العربية لها مواقف مختلفة للقضية. لذلك أنا في مسألة الدور الدولي لا أهتم كثيراً، بل الاهتمام لابد أن يكون على الدور الداخلي وخاصة أطراف الصراع. كيف تنظر الى التنازع والصراع بين الدوحة والقاهرة في ملف دارفور، وفي اعتقادك ماهو أنسب مكان لحل قضية دارفور؟ - أنا لا أرى أن هنالك صراعاً، أنا أسمع فقط من وسائل الإعلام وكل ما نسمعه من وسائل الإعلام لا يمكن أن نجعله مسلّمات، ولذلك أنا لم أجد أن هنالك صراعاً بين قطر وأية دولة أخرى، بل نسمع من المواقف الرسمية لقطر ومن المواقف الرسمية لمصر غير ذلك. أما في ما يلي موضوع أي موقع سيكون مناسباً بالنسبة لحل مشكلة دارفور؟ أقول: مشكلة دارفور إذا أصبح لديها منبر في (القمر) لابد أن تشارك فيه دول الجوار أيضاً لأن لها دوراً حقيقياً في السودان. في اعتقادك، كيف ستتعامل الحكومة الجديدة مع حل قضية دارفور؟ وكيف تنظر الى الأصوات التي تنادي بأن دارفور لديها نواب منتخبون في المجلس الوطني هم المعنيون بحل قضيتها؟ - والله هذا يتم بعد الاعتراف بنتيجة الانتخابات وهل العملية بشكلها الذي تم هي (انتخابات)، أم هي عملية إجرائية وخدعة للناس؟ هنالك جدل والحكومة لا تستطيع أن تفرض أي أمر على المواطنين بقدر ما يمكنها أن تسمي الموجود الآن بالأمر الواقع، وبالتالي الناس يتعاملون معه إذا أحسن المؤتمر الوطني التعامل مع الناس الى حين الانتخابات القادمة. ولكن الحكومة الجديدة هي ليست حكومة جديدة بل هي نفس الحكومة الموجوده منذ عام 1989م سواء كانت منتخبة أو غير منتخبة، وبالتأكيد العقلية ستكون نفس العقلية. وأنا لستُ متشائماً، وأيضاً لستُ متفائلاً. كيف تنظر الى حال المعارضة السودانية وبالتحديد (تحالف أحزاب جوبا) بعد فشلها في الدخول للانتخابات الماضية برؤية موحّدة وأنتم جزء من هذا التحالف؟ - تحالف جوبا نتج لعوامل كانت حية في وقتها وإذا توفرت المتطلبات لإحياء هذا التحالف سيظل موجوداً، ولأن التحالف هو مجموعة من الأحزاب لديها أهداف مختلفة، وتتفق هذه الأهداف في (المعارضة) فقط، ولذلك الآن أنا لم أجد دوراً لتجمع جوبا أكثر مما أداه، هنالك دور للمعارضة بمختلف تكوينات القوى السياسية في السودان وإذا دعا الحال بالتأكيد سيكون أيضاً هنالك تحالف، لكن يمكن ألاّ يكون بذات المسمى أو بنفس المواقف لأنه لا يوجد ميثاق يربط بين أحزاب تحالف جوبا. هنالك جانب مهم جداً، كيف تنظر الى ترتيبات الاستفتاء على حق تقرير المصير، وأين ستكون خارطة دارفور وحقوقها في دولة السودان الشمالي إذا حدث الانفصال؟ - أولاً موضوع الاستفتاء أنا لا أدري، لكن طبعاً من حيث التكهنات فإن الاستفتاء يمكن أن يؤجل وقد لا يؤجل، وبالتأكيد ستكون هنالك أسباب للتأجيل منها تعزيز بنية مؤسسات الجنوب وأيضاً يمكن أن تكون هنالك أسباب خارجية منها مشاكسة الطرفين وخاصة في موضوع الأمن في ما بين الطرفين وترسيم الحدود وكذلك النزاع في بعض المناطق ونزاع المنافع وخاصة في مناطق (البترول) وغيرها. وكل هذه الأشياء يمكن أن تكون تكهنات وفي ظل هذه التكهنات قد يتم الاستفتاء وقد لا يتم، وإذا تم الاستفتاء بالتأكيد الجنوب سينفصل، أما (ماذا بعد انفصال الجنوب؟) فهذا سؤال يدور في ذهن كل سوداني وليس الدارفوريين وحدهم؛ لأن السودانيين وقتها سيحتاجون للجلوس للتكيف مع الوضع الجديد الذي يصبح فيه الجنوب خارج الدولة السودانية. حسناً، قبل أن نشكرك نفسح لك المجال لكلمة أخيرة؟ - أشكرك على حضورك وتحمل المشاق حتى هذه المنطقة الحدودية النائية.