.. ننطق أحيانًا بكلمات نحاول بها التعبير للآخرين وبشكل مخفف عن الانطباع الحقيقي وفي مناحٍ مختلفة وذلك حتى لا نؤذي مشاعرهم أو نحبطهم! وتحت مسمى المجاملة نجعل الصغير كبيرًا، والعجوز شابًا، والإسفاف إبداعًا والجهل تواضعًا... ومن بشريتنا البحث عن المدح وإن كان غير حقيقي وحتى بإدراكنا ذلك تمامًا!!؛ هناك من يستحق أن نجامله وربما نجد أن ما يستحقه يفوق مدحنا إياه! وأحيانًا نجامل من لا يستحق.. ونجعل منه أسطورة ولا نستطع بعدها إقناعه بغير ذلك! كثيرًا ما يلعب الإعلام دورًا كبيرًا في ذلك فيرفع مواهب وقدرات ابداعية متواضعة ويتجاهل عمدًا او سهوًا او جهلاً أناسًا هم أقدر وأثرى إمكانات وموهبة! فيؤثر ذلك في الرأي العام ويبدو أولئك وكأنهم أصحاب شعبية وحضور حقيقي وأصحاب مفردة وملكة وإبداع حقيقي؛ ويكون الأمر خلاف ذلك؛ الأمر الذي ينعكس على الذوق العام والحركة الثقافية ونظل نردد تدهور الثقافة وتدهور المستويات والذوق العام و... و... يتفق الجميع على أن هناك أشياء لا تجوز فيها المجاملة مثل الحق والمبادئ ويتعاطى الجميع المجاملات العامة من باب اللياقة. أو استعطاف المشاعر أو هي سمة مرتبطة بالشخصية ولا يستطيع صاحبها الفكاك منها؛ بينما آخر لا يعرف غير الجرأة وأحيانًا الصراحة الفجة في التعبير للآخرين عن أشيائه عندما يُطلب منه أو يبادر بها متطوعًا والبعض لا يمتلك القدرة حتى على التعبير والتصريح الواقعي والحقيقي والمصيري في حياتهم ناهيك عن المجاملة فيه؛ يُحكى عن الكاتب الإيطالي «فرانشيسكو كولونا» أنه كان شديد الحياء لدرجة أنه استحى من التقدم بطلب يد الفتاة التي أحبها واختارها وكانت تدعى «بوليا» فكتب من أجل ذلك كتابًا سمّاه «حلم حب» مؤلف من 165 ألف كلمة وكانت الأحرف الأولى من كل عنوان فصلاً من فصوله السبعة والثلاثين تُقرأ هكذا: « فرانشيسكو كولون يحب بوليا»!! والسؤال: هل نفيد من حولنا عندما نُسمعهم ما يحبون لا ما يحتاجون؛ أو ما يخدم شخوصنا وحالاتنا لا ما يريح سامعنا. مع العلم، أننا أحيانًا تقدَّم لنا المجاملات ممّن لا ننتظرها أو نفضلها منهم رغم تقديرنا العظيم! { وفي العموم نجد أن المجاملة المقبولة والآمنة عندما تكون في أمرٍ ما قد انقضى ويكون الرأي حينها لا يقدم ولا يؤخر شيئًا! وهناك مجاملة أقرب إلى الخيانة عندما يكون فيها ضررٌ ما ؛ وقد تكون المجاملة جبنًا وخوفًا من ردات فعل البعض اصدقاء كانوا أو أصحاب النفوذ أو الصوت العالي. حينها فقط يكون الصمت أغلى وأعلى صوتًا من الكلام..!