بات انفجار الأوضاع في منطقة البحيرات حول جنوب السودان هو الأ رجح، بين كينيا وأوغندا من جهة، وبين الجارة الشرقية (إثيوبيا) من جهة أخرى، مع اقتراب موعد إجراء استفتاء على حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان، المزمع إجراؤه في التاسع من يناير المقبل، فمنذ عام 2005م أي عقب تشكيل حكومة الجنوب وأيلولة إدراة الجنوب إلى الحركة الشعبية وفق الاتفاقية التي أنهت حالة الاقتتال بين الطرفين؛ التي دامت لأكثر من عشرين عاماً، فدخل إلى الإقليم أكثر من (30) ألف مواطن من أوغندا، وما يقارب (15) ألفاً آخرين من كينيا، ومثلهم من إثيوبيا، الأمر الذي ظل يستنكره المواطنون الجنوبيون، وقال «بول دينق»، وهو مواطن من جنوب السودان إن الوجود الأجنبي المتزايد يشكل خطراً على استقرار الإقليم وبات تدخل دول جوار الجنوب في شؤون الإقليم مخيفاً، فهنالك من يريد أن يرى الموالين من الحركة الشعبية في مركز القيادة. أشار دينق إلى أن أوغندا التي دفعت بأكثر من 30 ألف مواطن تكاد تكون فرضت سيطرتها على دولاب العمل في الإقليم، إذ أن المواطنين الأوغنديين على سبيل المثال يشكلون وجوداً كثيفاً في قطاعي التعليم والمنظمات، بل حتى في السوق، فضلاً عن فرض سيطرتهم على قطاعات المواصلات والمطاعم وعمالة البناء. وأبان دينق أن ما يقارب (1822) مركبة من جوبا إلى كمبالا وبالعكس تسير يومياً، وأن مسؤولين أوغنديين يراقبون الحركة التجارية وتسويق المنتجات والبضائع الأوغندية وفق عملية دقيقة ومخططة، فأوغندا التي تعتبر من الدول الفقيرة وجدت في جنوب السودان منفذاً وسوقاً أدخل إلى خزانتها العامة الملايين من الدولارات. ويرى المراقبون أن أوغندا بدأت تتحرك بصورة شبه مكشوفة لتحقيق أطماعها في الإقليم والسيطرة عليه في حالة الانفصال، لذا ظلت تضرب على وتر القبائل المشتركة بين الطرفين إذ توجد قبيلتا (الأشولي) و(المادي) في كل من الجنوب وأوغندا، الأمر الذي تريد أوغندا استغلاله لتحقيق أطماعها في ضم الإقليم أو السيطرة عليه من خلال بعض (الموالين) لها داخل الحركة الشعبية، الحزب الحاكم في الجنوب. بل إن أوغندا ظلت توطد علاقاتها باستوائيين من سكان جنوب السودان، فيما يرى آخرون أن (كينيا) هي الأخرى بدأت تتحرك بصورة أكبر وبرزت تحركاتها على السطح من خلال زيارة وفد جامعة نيروبي في عام 2009 إلى جوبا ولقائه برئيس حكومة الجنوب سلفاكير، وشارك ذات الوفد في مؤتمر سلاطين جنوب السودان الذي عقد في (بانتيو) عقب لقاء سلفاكير، وأبلغ الوفد السلاطين بهدف الزيارة التي قال إنها جاءت لمد جذور الإخاء، مشيراً إلى أن هنالك علاقة قوية وقبائل مشتركة بين كل من كينيا وجنوب السودان، وأن مجموعة (اللوا) التي تشمل قبيلتي الجور والشلك؛ أي ذات القبيلة التي ينتمي إليها الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم؛ هي امتداد لقبيلة (اللوا) الكينية. أما إثيوبيا التي يعتبر الجنوبيون العلاقة بها علاقة روحية وفق المعتقدات الأفريقية التي أشار إليها الأب الروحي للنوير (منوتيق)، سعت هي الأخرى إلى إيجاد موقع لها في الإقليم تمهيداً لمرحلة ما بعد الانفصال، لذا دفعت بالبنك التجاري الإثيوبي، وعدد كبير من مواطنيها يعملون في العديد من القطاعات التجارية بالجنوب، فيما يرى المواطنون الجنوبيون أن حكومة الإقليم ظلت عاجزة عن إدارة هذه العلاقات، واتهمها البعض بالفشل في خلق مؤسسات قوية. وقال مواطن - فضَّل حجب اسمه - «أعتقد أن حكومتنا في الجنوب فشلت في إدارة الإقليم، بل عجزت حتى عن بناء مؤسساتها الاقتصادية، لذا ظلت تعتمد على الأجانب في كل شيء، وهؤلاء نهبوا أيضاً كل شيء، فالأموال المخصصة للجنوب من عائدات النفط والمانحين أغلبها ذهبت إلى كينيا وأوغندا وكندا وأستراليا التي أوقفت فيها امرأة قادمة من الجنوب وبحقيبتها (300) ألف دولار». مشيراً إلى أن هنالك العديد من المؤسسات الاقتصادية في الجنوب انهارت. وتساءل بسخرية: «أين بنك النيل؟». إلا أن مواطناً أخر يرى أن ما أسماه مصائب الإقليم؛ تأتي من الصراع الإقليمي والدولي على الجنوب. وقال: «هؤلاء يشعلون الحرب، بل هو ذات الصراع الذي حطَّم فكرة الولاياتالمتحدة الأفريقية التي كان ينادي بها د. جون قرنق»، فيما يرى المراقبون أن سياق السيطرة على الجنوب قد يشعل حرباً بالإقليم في حالة الانفصال، من خلال قبائله المختلفة المتداخلة مع قبائل من دول الجوار تريد كلها الوصول إلى كرسي السلطة في جوبا، في حالة الانفصال، أو فرض سيطرة على مركز اتخاذ القرار. فهل سيؤول إلى أوغندا؟ أم كينيا؟ أم يؤدي إلى اندلاع حرب جديدة في منطقة البحيرات؟