{ تتواصل قطوعات الإمداد الكهربائي هذه الأيام بصورة مستمرة ويومية ولساعات طويلة في عدد كبير من أنحاء ولاية الخرطوم، من أقاصي أم درمان والثورة.. وإلى ضواحي بحري.. ونواحي الكلاكلات وجبل الأولياء.. أما حال الكهرباء في معظم ولايات السودان القريبة والبعيدة فحدّث ولا حرج.. { ويبدو الأمر مزعجاً ومثيراً للعجب في ظل دخول «توربينات» سد مروي الإنتاج، ومساهمتها المفترضة في زيادة الإمداد الكهربائي لولاية الخرطوم والشمالية ونهر النيل والبحر الأحمر وغيرها من الولايات.. { والغريب أن تتكاثر القطوعات، وتتمدّد ساعاتها - إذ ينقطع الإمداد أحياناً صباحاً فلا يعود إلاّ مساءً.. أو العكس - غريب أن يحدث هذا بعد تدشين إنتاج «سد مروي»، بينما كان الحال أفضل - على الأقل بالنسبة لنا في ولاية الخرطوم - قبل قيام سد مروي..! { لقد كتبنا، ومدحنا، وهتفنا مع الجماهير: (الرد.. الرد.. السد.. السد..)، بل إنني التقطتُ هذه العبارة وجعلتُها (مانشيت) لصحيفة (آخر لحظة) العام المنصرم، عندما كنت أعمل بها نائباً لرئيس التحرير، وكان هدفنا الاحتفاء بالإنجاز الضخم، والتمازج مع إحساس الشارع العام، وتأكيده وتنميته عبر الصحافة التي تمثل جهاز قيادة الرأي العام. { كنا نريده أن يكون رداً عملياً يتجاوز الهُتاف، والاحتفالات، وتسيير الرحلات للزائرين من داخل وخارج السودان لهذا الصرح الاقتصادي الكبير.. { كنا نحلم بكهرباء دائمة ومستمرة، ترقص على مصابيحها مدائن السودان المظلمة.. تنير الطرقات وتزيل العتمة، فتقل حوادث المرور التي تفتك كل عام بالآلاف في طريق الخرطوم - مدني - الُمظلم، أو طريق التحدي، أو شريان الشمال، أو طريق الموت الثاني الخرطوم - كوستي..! { طُرق المرور السريع في بلادنا لا تعرف أعمدة الإنارة.. ولهذا يموت الناس ليلاً.. عندما يُفاجأ سائقو المركبات - مثلاً - بشاحنة معطلة في وسط الأسفلت، بدون عواكس، أو إشارات مرورية.. فتصطدم السيارات.. بعضها البعض.. والسبب الظلام.. ثم القيادة بإهمال.. ولهذا ينصحك الآباء والأمهات والأصدقاء بعدم القيادة ليلاً في طريق الموت السريع.. { أنا لا أعلم كثير شيء عن تفاصيل الإمداد الكهربائي (حالياً)، كم يقدم سد مروي للشبكة القومية.. (1250) ميغاواط.. أم ألف.. أم خمسمائة ميغاواط.. فقد تدخل توربينة اليوم وتخرج غداً فتخرج معها مئتان وخمسون ميغاواط.. وأعلم أن الإمداد من التوليد المائي يقل مع دخول موسم الخريف بسبب الأطماء، وأعلم أيضاً أن استهلاك الكهرباء يزيد في موسم الصيف، وأن الخرطوم قد تكدّست قصورها، وڤيلاتها، وعماراتها، وحتى مساكنها الشعبية بأحدث تقنيات التكييف والمبردات والأجهزة الكهربائية بمختلف أنواعها، لكنّني أعلم أيضاً أن هيئة الكهرباء افتتحت عدداً من محطات التوليد الحراري خلال العامين المنصرمين، فضلاً عن مشروع سد مروي العملاق. { وأعلم أن بلادنا بصدد استيراد الكهرباء عبر محطّات الربط من أثيوبيا، وأعلم أيضاً أن حكومتنا أنشأت مؤخراً وزارة للكهرباء والسدود أوكلت أمرها للمهندس «أسامة عبد الله» مدير وحدة السدود.. { ولذا، فمن الطبيعي أن يتساءل الناس: لماذا تتواصل قطوعات الكهرباء بعد كل هذا الهيلمان؟!