اكبر مغفل .. هو الكاتب الذي يظن نفسه (سوبرمان) ، وأنه أذكى من القارئ، وأن وجوده هو البطارية التي تدير الكون، وأن غيابه يعني أن تقوم القيامة التي لا تبقي ولا تذر !! كل الكتاب، هم خلايا متناهية الصغر، تعمل ضمن نسيج ضخم هو المجتمع، وإذا ذهبت احدى الخلايا، أو غابت، أو تكاسلت، جاءت محلها خلية جديدة، وتخلص منها الجسد المبدع، بما يضمن بقاءه واستمراره في الحياة . ما أريد قوله .. أن صويحبكم يفكر في ترك الكتابة، وهجران هذا العمل المضني، والتفرغ بقية العمر لأشياء (أجدى)، والحفاظ على بقية باقية من صحته .. من الصحافة ووجع قلبها ! ولأنني لست من الكتاب المغفلين على الأقل بحساباتي الشخصية أعرف أن الدنيا لن تنقلب بغيابي، والقيامة لن تقوم، كما أعرف أن أحدا لن يفتقدني، أو يسأل عن قلمي، باستثناء زوجتي التي تحرص على قراءة كل ما أكتب، بل والاحتفاظ بكل ما تجد فيه اسمي، خبرا، أو مقالا، أو تعقيبا، أو نقدا ! صديق ظل يكتب ربع قرن من الزمان، جاءني يوما والإحباط باد على محياه، وقال بمرارة : تصور يا شاطرابي، نحن جميعا ننفخ في قربة مثقوبة !! سألته عن السبب، فقال : أمس قرأت مقالة كتبها قلمي قبل عشرين سنة، كنت أتحدث فيها عن الغلاء، وعن انقطاعات الكهرباء، وعن سوء الشوارع وهشاشة السفلتة بالعاصمة، وعن المتشردين وأعدادهم المتزايدة ... والله لما قرأت كل ذلك .. ظننت أنني قد كتبته ليلة البارحة !! عجبت للملاحظة .. وارتفعت برأسي علامات الاستفهام، ترى هل تؤثر آراء الكتاب وملاحظاتهم في بناء مجتمعاتهم، أم أن المسألة مجرد كتابة، واستعراض، وتسويد صفحات، وتسلية للقارئ .. ليس إلا ؟! لنرحل يا صاحبي واصل صديقي حديثه فالقربة المثقوبة ستظل مثقوبة .. ونحن نؤذن بأعلى الأصوات .. لكن في مالطا وليس المدينةالمنورة !! شخصيا، أحب هذا الكاتب، ولو انزوى سأفتقده، لأنني أرى فيه بعض ملامحي، وبعض صباي، وبعض اهتماماتي، والكثير من ذكرياتي بالسودان .. قبل غيبة ربع القرن عن أرض الوطن . سأفتقده إذا غاب، لكن لا أحد غيري سيحس بغيابه، وبإحباطه، وبنزفه، لأن الحياة تستمر غصبا عن أنوف الكتاب وغيرهم، ولأن المجتمع .. يحتفي بالراكضين على الساحة .. وحدهم، حيث لا أحد يحب الآفلين !! أفكر في مهنة (أجدى)، والتفكير يلح فى دواخلي، وقد يتحول في أي لحظة، لعمل فعلي، ولست نادما على شيء، والدنيا لن تنقلب .. أبدا .. أبدا. هي فكرة .. والله وحده يعلم ما يصير.