كتبت قبل ذلك عدة مقالات تحت عنوان «خطيب مسجدنا فنان»، فالرجل الذي يصل بنا الجمعة والجماعات لم يتخرج في كليات الشريعة الإسلامية وأصول الفقه، ولكنه تخرج في كلية «الفنون الجميلة» بدرجة «فنان تشكيلي»، والرجل فنان بكل ما يعني هذا المصطلح، ولهذا فهو يعالج خطبه وأفكاره «بشيء من الفن التشكيلي»، وأذكر أنه وقبل عقد من الزمان قال إن هذه «الاسكيرتات والبلوزرات التي تتحرك في الطرقات ستنتهي الى بنطلونات»، والفنان الإمام عبد المنعم الزين الذي تسيطر عليه «ثقافة المؤامرة»، قد أرجع ذلك الى أن الجهات التي تفصّل للأمة ملابسها هي من الذكاء بمكان، بحيث تتدرج في أطروحاتها التفصيلية خطوة بخطوة وموضة بعد موضة، وقبل عقد من الزمان، في مطلع الألفية، أو قبلها بقليل، ولو أن فتاة ارتدت بنطالاً وقميصاً في خرطوم ما قبل نيفاشا، ربما لأحدث ذلك المشهد ثورة بأكملها، لكن بعد الاتقان في التدرج، برأي عبد المنعم، قد أصبح ذلك من المشاهد المعتادة التي لا تحدث مجرد التفاتة دعك من الثورة. والتشكيلي «الإمام» عبد المنعم الزين هو أول من وقف خطيباً في مساجد الخرطوم منبهاً الى أن السيارات التي كانت تقدمها شركة زين للفائزين في مسابقاتها التلفزيونية، ما هي إلا ضرب من الميسر، على افتراض أنه كسب يسير ويثير كوامن الحقد والحسد والتنافس غير الشريف في المجتمع، المهم في الأمر أن «مؤسسات الإفتاء السودانية» قد عادت في نهاية الأمر وحرمت تلك المسابقات، وبذات الفلسفة التي قال بها خطيبنا التشكيلي. الآن الاستاذ التشكيلي عبد المنعم الزين يخرج بتشكيكات وتشكيلات رأي جديدة حول المشروبات الغازية المصنعة من الشعير، هذه المشروبات التي تزدحم بها الأسواق واللافتات والشعارات والفضائيات، يقول الرجل التشكيلي (إنها مقدمة لصناعة «الخمرة»)، وإباحة تداولها، وبذات ثقافة المؤامرة التي انتهت بالاسكيرتات الى بنطلونات وقمصان، يرى الرجل أن «القليل من الاختمار» الذي يتذوقه في هذه المشروبات التي تحضر من مادة الشعير أنها لا محالة ستنتهي الى «خمرة»، لكن هذا الأمر يتم بتدرج، وربما تجد بعض المعقولية في استخدام فن التشكيل في التنبؤ بما ستنتهي عليه بعض التصاميم والتفصيلات الجانحة، لكن أن يستخدم الرجل «ذات النظرية» في اكتشاف تدرج «طعم ومذاق المشروبات» ومآلاتها هذا ما يحتاج في تفسيراته الى علم «فراسة المؤمن». والرجل قد حرم هذه المشكلات من المشروبات على نفسه، وهو ما لم يستطع أن يلزم به الآخرين، كنت معه منذ أيام لما قدمت لنا زجاجات من هذا المشروب الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، فلم يتناوله بينما ذهب «صاحب الملاذات»، عليه من الله المغفرة والرضوان، لشرب كل ما في القارورة، ثم سردت على صاحبي تلك الواقعة الطريفة «قيل إن رجلاً ذهب الى عالم يسأله عن التمباك، حكم الله في التمباك، فقال ذلك العالم «والله العلماء مختلفين»، فقال الرجل السائل «سأتمبك حتى يتفقون»، وقلت لصديقي «فنحن تنابله» لا نحرم إلا ما يحرمه لنا مفتي الديار السودانية، نصوم لرؤية ونفطر لرؤية ونترك ممارسة الاشياء حسب رؤية مفتي الديار، ودولتنا الاسلامية تتحمل عنّا كل عناء البحوث والتفتيش عن القرائن، فهنالك على الأقل مجمع الفقه الاسلامي الذي يديره العلامة شيخ علي الإمام مستشار رئيس الجمهورية، وهيئة علماء السودان، ووزارة الارشاد وهيئة التأصيل وغيرها من مؤسسات الفتوى، وكما يقال فإن ناقل الكفر ليس بكافر. يبقى عزيزي المشاهد، عزيزي القارئ طرح هذا السؤال، هل تحتاج مجمعاتنا وهيئاتنا الاسلامية التي تتصدى الى أمر الافتاء، هل تحتاج الى أن تضم بين عضويتها بعض الفنانين التشكيليين، وذلك على غرار بعض الفلكيين، وذلك للتنبؤ مبكراً بما ستنتهي عليه بعض المصنوعات التي نستهلكها، هذا اذا علمتهم أن ملابسنا يفصلها أعداؤنا، وأن مشروباتنا يصنع خلطاتها الآخرون؟ عزيزي القارئ.. هل ستكتشف بعد فوات الأوان أن (الجواك) هو باطل وحرام وخراب؟.. والله أعلم.