والسؤال : لماذا نلطم الخدود على غلاء الخضروات والفاكهة، والمزارعون في ولاية نهر النيل يهربون من حقولهم .. للتنقيب عن الذهب العزيز ؟ ألم تسمعوا يا قوم، بالشاعر الحكيم الذي قال : رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده الذهبُ ؟! بالله ماذا يجنون من زراعتهم ؟ يكدون ويكدحون طوال العام، ومحصولهم لا يصبر، فيبيعون البصل بما حصل، ويأتي حيتان السوق، ليشتروا جهد العام، بأبخس الأثمان، ليقوموا ببيعه للحيتان الأصغر في أسواق المدن، ويقوم هؤلاء ببيعه لمن يصغرهم، والسماسرة يكشرون عن أنيابهم، ليكون لهم نصيب، فكيف يعيشون إن لم يفعلوا ؟ لتصل السلعة ملتهبة للمستهلك .. فيحترق بسعرها المرتفع، مثلما احترق المزارع من قبل بسعرها المتهالك !! حتى الطلاب الصغار .. أصبحوا مشاريع (فاقد تربوي) قادم، حيث ترك الكثيرون منهم الدراسة في الولاية، واتجهوا بمباركة ذويهم .. إلى من عنده الذهبُ ! والله لو كنت أنضر شبابا، لما بقيت خانعا، ولهرولت مسرعا صوب تخوم ولاية النيل، لأجني مع الآخرين .. المعدن الثمين، بدلا من الغرق في العاصمة بمعادلات الدخل والإنفاق العسيرة الشائكة !! أعذروا المغامرين يا قوم، فقد احترقوا بنيران الغلاء، واحترقوا بلهيب التهميش، واكتشفوا متأخرا أنهم يوفرون اللقمة للناس، في حين تبطش بهم الفاقة والعوز .. والجوع !! كل الدنيا (الفاهمة) تقتطع من دخلها العام لدعم المزارعين .. حتى أمريكا .. صاحبة أكبر إنتاج زراعي في العالم، تدفع من ميزانيتها الفيدرالية المليارات، دعما للمزارعين، والسعودية تشتري من المزارعين إنتاجهم من التمور بسعر (حكومي) مغر، لتقوم الدولة بتوزيع ما تشتريه على شكل هدايا وإعانات وإغاثات مجانا للمحتاجين في العالم. الدنيا الفاهمة .. تعرف تكلفة الإنتاج العالية للمحاصيل الزراعية، وتدرك أن استقرار اقتصادياتها يتطلب الاهتمام بالقطاع الزراعي .. وهي معادلة كان الأولى أن نكون روادا في فهمها، وروادا في اقتطاع الميزانيات السخية للمزارعين، وتشجيع إنتاجهم بدخول الحكومة مشتريا رئيسا، وبأسعار لا تؤرقها حسابات الربح والخسارة. المسألة ليست توفير ماء، أو تخصيص أراض، المسألة حماية قطاع يوفر لنا اللقمة، في حين ندفعه دفعا لتصفية وجوده، ولملمة أطرافه، وترك حقوله .. وتشريد أطفاله من المدارس .. ليكون الجميع في خدمة المغامرة .. بحثا عن الذهب النفيس، أو أي شيء آخر .. لا تلتهم عوائده حيتان السوق ووحوشه الضارية ! الغلاء دائرة جهنمية .. تبدأ من الصرف الحكومي البذخي، والطناش عن الباطشين بأرزاق الناس، ثم الضحك على المزارعين وتخدير عقولهم بتوفير الماء والأرض ! أوقفوا لطم الخدود، وأدركوا المزارعين .. قبل أن نموت جوعا .. ركضا وراء بريق الذهب !