«إذا كنت لم تسمع بمس كول من اللحم العجالي فلا تقرأ هذا المقال».. لقد سمعنا«المس كولات» - جمع مسكول - في الهواتف المحمولة والتي رغم صغرها وخفة وزنها فإنها تطحن ميزانية الأسرة طحناً بتحويل الرصيد المستمر وتخفيض ميزانية الأسرة إذ أن ما«يأكله» الموبايل في الأسر الفقيرة يفوق ميزانية واحد من أفراد الأسرة على الرغم من الحوافز التي تُعلن عنها شركات الموبايل ولا يستفيد المستهلك من هذه الحوافز إلا مزيداً من الصرف والدفع. إن هذه الحوافز إغراء لمزيد من الثرثرة في لا طائل منها غير ضياع وقت الشباب فأصبح الموبايل ضيفاً ثقيلاً على ميزانية الأسرة بل أنه بات نوعاً من الإدمان ملتصقاً بالأذن. ذكر أحد الآباء أن ابنه الطالب الجامعي لم يتصل بهم طوال دراسته الجامعية وإنما يرسل «مس كولاته» وينتظرنا نرد عليه حتى لا يدفع قيمة المحادثة وفي هذا ادخار لقيمة المحادثة. إننا نحن السودانيين لا نعرف للادخار سبيلاً وثقافتنا ثقافة «أصرف ما في الجيب يأتيك مافي الغيب» كلها غيبيات دفعت بنا إلى دوامة الفقر المُدقع. وعلى الرغم من المجهود الكبير الذي بُذل في تخفيف حدة الفقر باتباع سياسة التمويل الأصغر للأسر الفقيرة في المشروعات الصغيرة ذات العائد السريع، فإن قطاعاً كبيراً من الفقراء ليست لديهم الخبرة أو المعرفة أو الرغبة ولا يعرفون كيفية التعامل المصرفي ودخولهم محدودة لا تمكنهم من مجاراة تصاعد الأسعار فيزدادون فقراً على فقر خاصة الفقراء الذين يعيشون في أطراف القرى ويسكنون في بيوت الجالوص ويعيشون على رزق اليوم باليوم. ويبدأ يومهم بشراء سكر وشاي (شاي الصباح) لأطفالهم قبل ذهابهم إلى مدراسهم وتفاجئهم زيادة سعر رطل السكر والذي صار سعره غير مستقر وأصبح من هموم هذه الأسر الفقيرة والتي تقلصت وجباتها من ثلاثة وجبات إلى وجبتين في اليوم وأن ربات البيوت يذهبن إلى سوق الحي أو المربع لشراء لحمة اليوم والخضار ولأن المصروف أصبح لا يكفي لشراء ربع كيلو لحمة كان لابد من إيجاد وسيلة أخرى لاقتصاد النفقات ولم يجدن لذلك سبيلاً سواء شراء ثمن كيلو عجالي وأطلقن عليه «مس كول» عجالي مزاحاً وربما خجلاً وحياءً لأن ربع الكيلو كان منقصة فما بالك بثُمن الكيلو؟! إن الجزار كان يقطع قطعة لحم صغيرة لا تسمن ولا تغني من جوع ويضعها في الميزان حينما يسمع طلب إحداهن «أدينا مس كلو عجالي» ويستجيب لطلبات «المس كول» عن رضا لأن العدد الذي يطلب «المس كول» في ازدياد على الرغم من الجهد الذي يبذله في الميزان حتى لا يكون من المطففين وحتى لا يخسر الميزان. يروى عن سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه إنه قال «لو كان الفقر رجلاً لقتلته».. وبعد ماذا يربط مس الكول العجالي مع مس الكول الهاتفي؟ لا رابط بينهما سوى الفقر والذي أحكم قبضته على رقاب الفقراء فلم يستطيعوا منه فكاكاً.