{ فُوجئت خلال زيارتي للعاصمة الإريترية «أسمرا» قبل عامين أن سعر جوال السكر أقل من خمسين جنيهاً سودانياً، عندما كانت قيمته في الخرطوم أكثر من مئة وعشرين جنيهاً..!! ثم علمت أن جوال السكر (كنانة) أرخص بكثير في مدينة «كسلا» منه في العاصمة «الخرطوم»، وذلك لتصديره عبر الحدود من إريتريا بأسعار متدنية قد تصل إلى نصف القيمة مقارنة بمدن سودانية أخرى..!! { وقد سألت وزير الصناعة السابق الدكتور «جلال الدقير» قبل عدة أشهر خلال رحلة برفقة السيد رئيس الجمهورية إلى «الدوحة»، عن أسباب انخفاض قيمة جوال السكر في إريتريا والمناطق الحدودية القريبة منها في السودان، بينما ذات الجوال يرتفع سعره في بقية أنحاء السودان..؟ فكانت إجابة السيد الوزير تتلخص في أن ذلك السكر (الرخيص)، ليس من إنتاج شركة «كنانة» ولكنه سكر مستورد من دول أخرى، فيلجأ تجار تلك المناطق إلى تعبئته بجوالات شركة سكر كنانة..!! { الوزير نبّهني منذ فبراير الماضي إلى توقُّعاته بحدوث أزمة في السكر في شهري يونيو ويوليو، وهي أزمة (عالمية) مرتبطة بالإنتاج والزيادة على الطلب. ولو كنتُ من الباحثين عن ثروات طائلة باحتكار (قوت الشعب) لاستفدت من تلك المعلومة وشرعت في تخزين كميات من السكر بمساعدة أصدقائي من التجار ابتداءً من فبراير، مروراً بمارس، وأبريل، ومايو، ثم أنتظر كما يفعل (تماسيح السكر)، لأبيع المخزون في شهري يوليو وأغسطس مع دخول شهر رمضان الفضيل. { والسؤال الذي يحيرني حقاً: إذا كانت الحكومة ممثلةً في وزارات الصناعة، التجارة الخارجية، والمالية والاقتصاد الوطني، تعلم جيداً أن أزمة طاحنة في سلعة السكر ستضرب أسواق البلاد، فلماذا لم تتحسّب لها طيلة الخمسة أشهر الماضية، بفتح الاستيراد من تلك الدول التي تستورد منها إريتريا (الفقيرة)، ليكون سعر الجوال خمسين جنيهاً فقط، بل أقل..؟! { ومن المعلوم أن السكر (الصناعي) أيّاً كان منشأه، ضار جداً بصحة الانسان، ولهذا بدأت ثقافة طلب الشاي أو العصير (بدون سكر) تنتشر في المجتمع السوداني بصورة لافتة، خوفاً من أمراض العصر (ضغط الدم، القلب، السكر، تصلب الشرايين.. الخ) { فإذا كان الضرر واقعاً لا محالة بالإسراف في استخدام السكر الصناعي، فإن المواطن السوداني لا يهمّه إن جاء السكر من «كنانة» أو من «كوبا»، الأهم أن يكون رخيصاً وفي متناول أيديهم دون أزمات (مصنوعة) و(مقصودة) بواسطة المضاربين من التجار الذين أثْروا خلال سنوات قليلة، وامتلكوا مليارات الجنيهات وعشرات القصور باحتكارهم سلعةً ما كان ينبغي - أبداً - أن تكون نادرةً وباهظةً في بلادنا، دون سائر البلدان. { الآن .. ورغم ما يُثار من جلبة وضجيج حول أزمة في سلعة السكر بسبب احتكار حوالي «عشرين» تاجراً رُخَص توزيع السكر، فإن معلوماتنا تفيد بوجود كميات كبيرة من السلعة، في مخازن بعض التجار، يزايدون ويضاربون بها، لتزداد ثرواتهم على حساب المواطن المسكين. { افتحوا الاستيراد لجميع الشركات التجارية، وليأتِنا السكر من جميع أركان الدنيا، والبقاء في السوق للأجود والأرخص.. ولا نامت أعين المحتكرين.