{ بإلقاء نظرة على قائمة الريموت كنترول وما تتضمنه من فضائيات سودانية بلغ عددها حتى الآن ثماني فضائيات هي: (السودانية، الشروق، النيل الأزرق، هارموني، قوون، زول، ساهور وفضائية الأمل) بإلقاء نظرة على هذه القائمة ينبري سؤال مهم: هل لعبت هذه الفضائيات الدور الذي يجب عليها أن تلعبه؟ { وربما يسألني أحد هو الدور المفروض عليها ذاته شنو؟ أقول إن هذه الفضائيات يتوقع منها أول ما يتوقع أن تعمل على إزالة الضباب الذي يحيط بالهوية السودانية لأن الكثيرين يجدون لبساً في كيفية التعاطي مع ثقافتنا باعتبار أننا عند البعض عرب وعند البعض الآخر زنوج وأفارقة. { ودور آخر مهم عليها أن تؤديه هو عكس المنتوج الثقافي السوداني «المحجوب» عن الأجهزة الإعلامية العربية وهو أمر لم يعد يعنينا كثيراً طالما أننا امتلكنا الفضاء بنحو أو بآخر ولدينا القنوات التي نستطيع من خلالها أن نقول هاكم اقرأوا كتابيا. { ولأن العمل في الفضائيات أصبح سوقاً يحتمل العرض والطلب ويتأثر بالمنافسة كنت أظن أنه لزاماً على هذه الفضائيات أن تخلق فيما بينها تنافساً محموماً ومحشوداً بكل ألوان الجذب التي تجعل المشاهد يفضل فضائية على أخرى. { لكن للأسف ما أشاهده من كل فضائياتنا السودانية هو مجرد برامج شاكلة رزق اليوم باليوم اللهم إلا ما ندر؛ إذ لا يعقل أن تظل مثلاً فضائية كهارموني تعيش على سنام المواد المسجلة المكررة لدرجة مزعجة مما يفقدها أهليتها والتزامها الأدبي تجاه المشاهد بأن تقدم له كل صباح الجديد المفيد لكن الإعادة للبرامج والمواد المسجلة بهذا الشكل فاق حد الملل وحد الممكن وأصبحت هارموني، أو لعلها هي كذلك، من غير خارطة برامجية محددة؛ إذ أن المتوفر هو الذي يُعرض حتى لو كنا قد شاهدناه ألف مرة. { أما الفضائية السودانية فإنني أبحث لها عن عذر في أنها تنتهج خطاً معيناً باعتبار أن الظرف والمرحلة تتطلب هذا الخط. لكن في البرامج خارج هذه الدائرة المرسومة تنقصها الحبكة التي يفترض أن تنافس بها ليس الفضائيات السودانية ولكن حتى الفضائيات العربية. { ودعونا نتفق أن واحداً من أسوأ أنواع العمل التلفزيوني هو الاقتباس غير المفلتر، بمعنى أنه لا غضاضة أن نأخذ روح برنامج ونلبسه جسداً وملامح تشبهنا لكن أن نأخذه «بضبانته» دون معالجات يفقده نكهته ورونقه خاصة وأن التاني ما زي الأول والناصية ما زي تاني ناصية!! { وإن كنت أهمس في أذن الإخوة في الفضائية أنهم «مزودين المحلبية شويه» لأنه ما ممكن اليوم كله حديث عن الوحدة ويكفي جداً ما يُمنح لها من مساحات بث في الفضائية السودانية أو في المنتديات. إذ أن التقنين والتفنن في عرض القضية باختيار الزمان المناسب أجدى وأكثر خدمة من أن نظل طوال اليوم نلوك حديثاً عن الوحدة بصورة ببغائية مملة! { وبالحديث عن «النيل الأزرق» أقول إنها حتى الآن تظل الفضائية الوحيدة التي تستنبط الأفكار وغيرها يقلدونها والدليل على ذلك برامج كثيرة لم تنجح على شاشات أخرى لأن النيل الأزرق لها سحرها الخاص بها وتفردها وخبطاتها المتتالية وآخرها ظهور هاشم صديق عبر شاشتها وأضمن لكم لو أن الرجل «رضي الظهور» فستجدونه غداً في كل الفضائيات متحدثاً ومستضافاً. { أما قناة «الشروق» فأحسب أن تراقصها عبر الحبال هو ما يجعلها مجهجهة فهي لا تريد أن تأخذ الجانب الإخباري الصرف وفي ذات الوقت عينها على المنوعات مما يجعل هناك عدم توازن في المنتج مما يخل في أحيان كثيرة بتوازنها ويجعلها في حالة مرجحة. { ثم هناك قناة «قوون» التي ينطبق عليها عين في الجنة وعين في النار؛ حيث أنها بدأت اسماً ورسالةً بمضمون رياضي وإن كانت تغازل المنوعات بين الحين والآخر وليس في هذا غضاضة لكن تعاطي المواد المنوعة يختلف تماماً عن المادة الرياضية لذلك لابد لقوون المنوعة أن تضع هذا العجين في يد خبازينه. { أما قناة «زول» فأحسب أنها عنونت لنفسها بهذا الرمز زول فقط لتكسب أراضي لها عند المشاهد السوداني الذي «نقش» الحكاية مع أول فيديو كليب حبشي لا علاقة له بأي زول وكلما حاولت أنا شخصياً أن أبحث لزول عن صدقة تصدمني إما بمادة تقدمها لا تشبهنا أو بمذيعة صادمة تتخلى عن سودانيتها لبساً وتسريحاً ويا سبحان الله حتى في وقفتها أمام الكاميرا!! { أما قناة «الأمل» وطالما أنها ترفع شعارها لبثها بأنه تجريبي يبقى الحكم عليها بشفافية سابق لأوانه. { في كل الأحوال الموضوع طويل وشائك ويحتاج إلى أكثر من زاوية حتى نصل إلى حقيقة إن كانت الفضائيات السودانية ناجحة إلى حد ما أو فاشلة إلى حد ما ومؤكد لنا عودة. كلمة عزيزة { لا تتخيلوا لهفتي لمشاهدة حلقة هاشم صديق على النيل الأزرق لأن النهر الذي فارق مجراه مؤكد أنه عاد محمّلاً في دواخله بالخير والخصوبة. كلمة أعز { لم انتهِ بعد من سرد حكايا المغتربين لأنني هذه المرة محمّلة بالكثير المثير الخطر.